في 27 سبتمبر /أيلول الماضي، اندلعت الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم "قره باغ"، وفي 10 نوفمبر /تشرين الثاني الجاري -أي بعد 44 يوماً من الحرب- انتصرت أذربيجان باستعادة نصف أراضيها بالقوة العسكرية، وما بقيت ستعود باتفاق السلام، الذي ينص على وقف الحرب وانسحاب أرمينيا من إقليم "قره باغ" وأراضي أذربيجان، خلال الأيام والأسابيع القادمة.. فما الذي حدث؟ وكيف انتصرت أذربيجان بهذه السرعة القياسية، مقارنة بالحرب التي يقودها التحالف السعودي- الإماراتي في اليمن منذ 6 سنوات؟
وما هي الدروس التي يمكن أن يستفيدها أبناء اليمن من هذه الأحداث؟
مجرد سراب
أذربيحان، ومنذ العام 1992م، حين احتلت أرمينيا وبدعم روسي إقليم "قره باغ" وخمس محافظات أخرى ظلت تفاوض منذ ذلك الحين حتى منتصف هذا العام، أي طيلة 28 عاماً وهي تخوض مفاوضات سياسية عبر مجموعة "مينسك"، ويحضر وفدها اجتماعات في "مينسك" بروسيا البيضاء، وفي موسكو وعواصم أوربية، ورغم اعتراف العالم بأن إقليم "قره باغ" ومحافظات: آغدام، وفضولي، وجبرائيل، ولاتشين، وخوجة وند، وكلبجار، وآغدرهو وقوبادلي وزنكيلان مناطق أذرية محتلة من قبل أرمينيا، ورغم قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي الداعمة ل"باكو"، فإن أذربيجان لم تجنِ من المفاوضات شيئاً سوى الوعود، حتى قررت استعادة أراضيها المحتلة بالقوة العسكرية، ولو ظلت أذربيجان تفاوض لاستمرت المفاوضات عقوداً قادمة، ولظل 20% من أراضيها تحت الاحتلال الأرميني.
حين خاضت أذربيجان الحرب لاستعادة أراضيها كانت قد استعدت جيداً، ودرست الموقف الإقليمي والدولي جيداً، ثم خاضت الحرب بكل قوة، وخلال أسابيع استعادت أذربيجان مئات القرى في المحافظات المحتلة، حتى استعادت، الأحد الماضي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مدينة "شوشا" الهامة، والتي تطل على عاصمة إقليم "قره باغ" مدينة "ستيباناكيرت"، وبعدها استسلمت أرمينيا، وقررت الانسحاب السلمي من الأراضي الأذرية وفق "البيان المشترك"، وهو اتفاق وقعه الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، فجر الثلاثاء 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الأذرية "أذرتاج".
ما حدث في القوقاز هو درس للشرعية اليمنية، التي ما تزال تأمل أنها سوف تستعيد سقطرى وعدن بالمفاوضات!
تركيا حليف استراتيجي
ظهرت تركيا، بموقفها القوي الداعم لأذربيجان حتى انتصرت، قوة إقليمية مؤثرة وحليفا استراتيجيا قويا وصادقا يقف مع حلفائه بكل ثقل وبكل قوة في معاركهم العادلة، حيث وقفت تركيا من قبل مع قطر ودعمتها بأكثر من 30 ألف جندي، فأوقفت مخطط الاجتياح السعودي والإماراتي لها، ووقفت مع الصومال وسددت ديونه، وقدمت له الدعم الإنساني والتنموي، ووقفت مع حلفائها في ليبيا (حكومة الوفاق الوطني)، ودعمتها عسكرياً وسياسياً، وأوقفت هجوم حفتر على العاصمة طرابلس، وعملت على تغيير الواقع الميداني لصالح حلفائها، وفرضتهم شركاء في مفاوضات السلام كتيار وطني أصيل، يصعب تهميشهم وتجاوزهم.
وهذا الموقف التركي القوي والواضح في الوقوف مع أذربيجان بكل السّبل والوسائل يعزز مصداقية قيادة تركيا ويقوّي مكانتها ويظهرها كقوة إقليمية أخلاقية تقف إلى جوار حلفائها، وتعاملهم كشركاء وليس كأدوات، هو ما سيدفع ـ مستقبلاًـ الكثير من الدول إلى التحالف مع تركيا لضمان أمنها وحماية مصالحها، باعتبارها حليفاً استراتيجياً وشريكاً صادقاً يحقق مصالح حليفه قبل مصالحه، وهذا ما يميّز تركيا عن غيرها من القوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع الأوضاع ببرجماتية وتحوّل حلفاءها إلى أدوات يتبعونها، ويعملون لتحقيق مصالحها.
ينقصنا حليف استراتيجي وصادق
في اليمن، وبعد انقلاب المليشيا الحوثية على الدولة وسيطرتها على السلطة في 21 سبتمبر /أيلول 2014م، قادت السعودية والإمارات ما سمي ب "التحالف العربي لدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب في اليمن"، حيث دشنت في 26 مارس/ آذار 2015م عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، ومنذ ذلك الحين -أي قرابة 6 سنوات- لم يحقق التحالف أهدافه بدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب، بل العكس، عمل على دعم الانقلاب في صنعاء، وإيجاد انقلاب آخر ضد الشرعية في عدن، وإنهاء الشرعية، وإحراق أوراقها، وتدمير مقدرات اليمن وبنيته التحتية، والسيطرة على جزره وموانئه ومطاراته، والتحكم بقرارات وتوجهات نخبته، وبدلاً من إعادة قيادات الشرعية من الرياض إلى الداخل اليمني أبقت السعودية هذه القيادات أسيرة لديها، وأرسلت قواتها إلى: سقطرى والمهرة وحضرموت وشبوة وعدن وأبين، وتقاسمت مع الإمارات مناطق الجنوب، وأبقت حرب الاستنزاف لتصبح جماعة الحوثي في الشمال هي الرابح الأكبر من هذه الحرب، والمجلس الانتقالي هو المستفيد الأوحد في الجنوب.
ما ينقصنا في اليمن هو حليف استراتيجي يدعم اليمن وجيشه الوطني ومقاومته الشعبية بقوة وصدق، بدلا من إنشاء وتمويل مليشيات تحاربه وتجويع هذا الجيش وقصفه بالطيران إن تقدم، نحن بحاجة لحليف صادق يعمل على تغيير الواقع الميداني لصالح حلفائه، وبدلا من احتلال الجزر والموانئ والمطارات بالتقاسم مع الإمارات يدعم الشرعية ويعزز وجودها وسيادتها على التراب اليمني.
اليمن بحاجة لحليف صادق ينصره، فبدلا من إرسال قواته إلى المهرة يدعم قوات الجيش والأمن اليمني هناك، وبدلا من احتجاز قيادات الشرعية يعمل على إعادتهم إلى اليمن ودفعهم إلى مقدمة الصفوف، ودعم الاقتصاد اليمني وتنميته بدلا من احتلال المنشآت النفطية والغازية وعرقلة انتاج النفط والغاز!
نحن بحاجة إلى حليف استراتيجي صادق وغير طامع في اليمن، حليف مثل تركيا التي تعمل على تنمية قدرات حلفائها ودعمهم، وتعاملهم بندية واحترام دون مساس باستقلال وسيادة وطنهم، ودون تحويلهم لأدوات كما تفعل السعودية والإمارات مع الشرعية والنخبة اليمنية لإبقاء هذا الوضع الكارثي على ما هو عليه، لأنه يخدم مصالحهما ويحقق أهدافهما على حساب مصالح أبناء اليمن حاضراً ومستقبلاً.
ورغم أن التدخل التركي في اليمن يبدو لكثيرين أمراً بالغ الصعوبة في ظل الوضع الحالي، إلا أن الشرعية أمامها فرصة كبيرة لكسر قيود التحالف، وامتلاك قرارها، وكسب حليف استراتيجي وصادق مثل تركيا، لو أنها أرادت إنقاذ حاضر اليمن ومستقبله.
عن موقع قناة بلقيس