بعد 44 يوماً من الحرب بين أذربيجان وأرمينيا لاستعادة إقليم "ناغورني قره باغ"، المحتل من قبل أرمينيا، توقف القتال في 10 نوفمبر /تشرين الثاني الجاري، بوساطة روسية، وقد أفرزت أحداث القوقاز تغييرات كبيرة في المنطقة، حيث ثبّتت روسيا نفوذها في المنطقة، كما استطاعت تركيا بدعمها القوي لأذربيجان، وبمشاركتها روسيا في تنفيذ بنود اتفاق حفظ السلام، تقوية نفوذها في القوقاز، وفشلت إيران في إيجاد نفوذ لها في منطقة القوقاز، كما فشلت جهودها الدبلوماسية في إيقاف الحرب..
وفي هذا التحليل قراءة في خارطة النفوذ الجديدة في القوقاز:
️ تركيا تقوّي نفوذها
استطاعت تركيا، بدعمها القوي لأذربيجان خلال ستة أسابيع من الحرب حتى انتصرت، أن تقتحم القوقاز وتقوّي نفوذها فيه، وأن تظهُر كحليف استراتيجي وصادق وكقوة إقليمية مؤثرة وفاعلة وشريكة في الحرب، وفي صنع السلام في إقليم "قره باغ"، حيث أرسلت روسيا، في 13 نوفمبر /تشرين الثاني الجاري، وفداً إلى أنقرة لبحث المسائل التقنية والتكتيكية بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار في الإقليم.
كما سترسل أنقرة وحدات عسكرية للمشاركة بقوات حفظ سلام في "قره باغ"، للمشاركة في وحدات حفظ السلام في الإقليم، وهذا بحسب تصريحات القيادي في حزب "العدالة والتنمية" التركي، رسول طوسون، لـ"الجزيرة نت"، في 12 نوفمبر /تشرين الجاري أن الخطوط العريضة للاتفاق تم وضعها بالتنسيق بين أردوغان وبوتين، كما أكد أيضاً أن تركيا استطاعت من خلال الاتفاق إيجاد ممر بري يربط أذربيجان بإقليم "ناخيتشيفان"، لأول مرة بعد أن كان الوصول إلى هذا الإقليم يتطلب المرور بأرمينيا أو إيران، مما يعني ارتباط أذربيجان بتركيا بشكل مباشر، وهو -بحسب طوسون- انتصار "جيوسياسي" جديد لتركيا، كما سيشكل هذا الممر قناة اقتصادية مهمة تضيف بُعداً جديداً للتعاون الاقتصادي بين البلدين، وتفتح لتركيا قنوات اتصال مع الدول والشعوب ذات الثقافة التركية، مثل: أوزبكستان وكازخستان، وصولا إلى طاجيكستان، وأفغانستان .
إضافة إلى أن وجود قوات حفظ السلام الروسية في إقليم "قره باغ" هو وجود مؤقت بخمس سنوات، لكن العلاقات الأذرية - التركية علاقات متواصلة ودائمة، وتركيا هي المستفيد الأكبر بعد أذربيجان من تحرير "قره باغ".
روسيا تثبّت وجودها
استطاعت روسيا، بقيامها بالوساطة لإيقاف الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ـ بالتنسيق مع تركيا ـ، أن تثبّت وجودها في القوقاز، حيث عملت تركيا على طمأنة حليفتها روسيا بأن دعمها لأذربيجان لا يهدف إلى تقليص النفوذ الروسي في هذه المنطقة الحيوية، وإنما لدعم أذربيجان لتحرير أراضيها، وأن النفوذ التركي في القوقاز لن يكون على حساب النفوذ الروسي، ولذا عملت الدولتان معا لإنجاح جهود الوساطة وحرصت تركيا على أن تظهر الوساطة باسم روسيا حتى تنال الوساطة موافقة كافة الأطراف، إذ تعتبر أرمينيا تركيا طرفا في القتال إلى جانب أذربيجان، ولم تكن لتقبل بوساطة تقودها روسيا مع تركيا.
روسيا بإرسالها قوات حفظ السلام (1700 جندي و90 آلية عسكرية) إلى إقليم "قره باغ" وبقيادتها جهود إيقاف الحرب وحفظ السلام ثبّتت نفوذها في منطقة القوقاز، على المدى القريب والمتوسط.
فشل إيراني في القوقاز
على مدى ستة أسابيع من الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، كانت قيادة إيران تعيش قلقا كبيرا من تداعيات هذه الحرب على السلم الداخلي لإيران، حيث يوجد أكثر من 20 مليون إيراني من أصول أذرية كانوا في حالة من السخط والتبرم إزاء الموقف الإيراني الرسمي، الذي رأوا بأنه يقف إلى جوار أرمينيا ضد أذربيجان صاحبة الحق في "قره باغ"، ولم يقدم الدعم المطلوب لأذربيجان، وقد تظاهروا ونددوا بسياسات النظام الازدواجية تجاه الأحداث، وكما تخوفت إيران من تصاعد الهوية الأذرية لسكانها على حساب الهوية الوطنية، كانت إيران تخشى من تدويل الحرب، ومن تعاظم النفوذ التركي في القوقاز، وتتخوف من مآلات قدوم مجاميع من المسلحين الجهاديين للقتال مع أذربيجان قرب حدودها الشمالية، في حال استمرت الحرب، ولذا حاولت إيران تفعيل دبلوماسيتها لإيقاف الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، ودعت إلى الحل السلمي، وأجرت العديد من الاتصالات لإيقاف الحرب، حيث أعلنت إيران، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول، عن إعداد خطة مفصلة لإيقاف الحرب، ولكن لم تتم الاستجابة لها، ولذا أرسلت مساعد وزير خارجيتها عباس عراقجي، في 27 أكتوبر تشرين الأول، إلى "باكو"، وبعد ذلك إلى "يريفان" وأنقرة وموسكو، ولكن دون أن يستجيب أي طرف لمبادرة موسكو، ولذا غابت إيران في اتفاق السلام في "قره باغ"، وستغيب عن ترتيبات بنود الاتفاق على الأرض، مما يعني بأن إيران فشلت في إيجاد نفوذ إقليمي لها في القوقاز، وهو ما يشكل فشلا جديدا للدبلوماسية الإيرانية.
عن موقع قناة بلقيس