خلال زيارته لأذربيجان في 10 ديسمبر كانون الأول الجاري للمشاركة في احتفالات النصر واستعادة الأراضي الأذربيجانية المحتلة من قبل أرمينيا قرأ الرئيس التركي أردوغان قصيدة شعرية للشاعر الأذري محمد إبراهيموف عن تقسيم أراضي أذربيجان القديمة بين روسيا وإيران بعد معاهدة " تركمانجاي" في 1828 تقول القصيدة:
(انتزعوا جنوب نهر آراس.. وملأوه بالرمال.. ما كنت أود الانفصال عنك.. لكنهم انتزعوه بالقوة.. آه يا لاجين روحي يا لاجين.. روحي فداك يا لاجين )..
وعلى إثر إلقاء أردوغان القصيدة احتجت طهران بشدة واستدعت السفير التركي لديها وقد تم تسليمه مذكرة احتجاج على تصريحات أردوغان " التدخلية وغير المقبولة " في شؤون إيران.
وبالمثل ردت الخارجية التركية باستدعاء السفير الإيراني لديها وأعربت "عن استيائها إزاء ادعاءات لا أساس لها وجّهتها طهران بحق الرئيس أردوغان".
لماذا غضبت إيران من هذا الشعر؟
ولماذا انتهت الأزمة الدبلوماسية سريعا؟
وهل الأراضي الأذرية الواقعة ضمن الجمهورية الإيرانية مرشحة للانفصال عنها؟
تساؤلات سنحاول الإجابة عنها في هذا التحليل.
رأت إيران في قصيدة إبراهيموف التي ألقاها أردوغان في باكو دعوة لانفصال محافظتي أذربيجان الغربية والشرقية في إيران وعودتها لأذربيجان كونها تتحدث عن أهمية نهر أراس للشعب الأذربيجاني إذ من المعروف أن في إيران أكثر من 20 مليون إيراني من أصول أذرية يتمركزون في محافظتي أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية ولذا يتحسس النظام الإيراني من أي خطاب قد يثير القوميات في إيران وخلال الحرب في " قرة باغ" (27 سبتمبر أيلول الماضي إلى 10 نوفمبر تشرين الثاني الماضي ) تزايدت المخاوف الإيرانية من انتفاضة أذرية داخل ايران ومن اي خطاب يثير البعد القومي لدى الأذريين في إيران .
شنت وسائل الإعلام الإيرانية حملة على الرئيس التركي أردوغان واتهمته بأنه يسعى لتقسيم أراضي أذربيجان وأنه يعيش أوهام الامبراطورية العثمانية وغيرها من الاتهامات.
وخلال الحرب في " قرة باغ " والتي عززت النفوذ التركي في القوقاز سعت إيران بشتى السبل والوسائل للعب دورا فيها وحاولت القيام بوساطة ولكنها فشلت ، لقد كانت ايران تريد ايقاف الحرب بشتى السبل والوسائل وذلك لأنها رأت الكثير من السخط والتبرم وتعززت مخاوفها من تحول هذا السخط والغضب لدى الأذريين إلى انتفاضة شاملة إن تواصلت الحرب في " قرة باغ " وهو ما دفعها لتغيير موقفها في الأحداث بحيث دعمت أذربيجان إعلاميا ومعنويا حيث أطلق العديد من قيادات النظام الإيراني تصريحات تؤكد على حق أذربيجان في أراضي " قرة باغ " التي يجب أن تعود إليها في محاولة لتهدئة خواطر الإيرانيين من أصل أذري والذي غضبوا من موقف ايران الداعم لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة الشيعية .
وفي كل الظروف والأحوال فإن انفصال محافظتي أذربيجان الشرقية والغربية عن إيران وعودتها لأذربيجان هو أمر بعيد الحدوث خاصة بعد انتهاء الحرب في " قرة باغ " كما أن النزعة القومية لدى الأذريين في إيران ليست كبيرة إلى مستوى يرشحها للانفصال عن إيران إضافة إلى أن إيران لن تسمح بذلك لأنه سيغدو مقدمة لتفكيكها وهذه الغضبة الإيرانية هي رسالة لتركيا وللجميع بأن وحدة أراضي إيران خط أحمر ولن تفرط فيها وستقاتل دفاعا عليها.
ايران وتركيا دولتان جارتان وتتعاملان بمنطق الدول في علاقاتهما حيث تسعى إيران وتركيا للوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 50 مليار دولار سنويا بعد أن وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 21 مليار دولار وهذا المستوى الكبير من التبادل التجاري والشراكة الاقتصادية كفيل بإنهاء أي أزمة دبلوماسية قد تنشب بين البلدين وهو ما ألمحت إليه صحيفة " رسالت " الإيرانية الأصولية المقربة من المرشد خامنئي في تحليل لها نشر في 12 ديسمبر كانون الأول الجاري حيث أكدت على أن “إيران وتركيا هما جارتان حتميتان ولديهما الكثير من الأشياء المشتركة ثقافياً وتاريخياً وهما الجاران الوحيدان اللذان بقيا معاً”، مضيفة “لقد كان هذان البلدان معاً في أوقات صعبة ويجب أن يستمرا في اتباع ذات النهج من الآن فصاعداً حيث بخلاف ذلك لا يمكن لإيران ولا لتركيا الاستفادة كما ينبغي من قدراتهم وفرصهم ضمن منطقة بها الكثير من الاضطرابات والأزمات والديناميكية السياسية”.
العلاقة بين البلدين وخصوصا في الجوانب الاقتصادية والتجارية لن تتأثر بهذه الأزمة الدبلوماسية ولذا انتهت الأزمة سريعا إذ تمثل العلاقات الإيرانية التركية المثيرة للاهتمام تجربة ثرية ومثالا للتعاون والتنسيق بين الدول التي تفكر وفق رؤية استراتيجية ووفق منطق المصالح المشتركة رغم كل العوائق والاختلافات المذهبية والتباينات السياسية وهو درس لم نستفد منه في المنطقة العربية حيث تتوقف العلاقات وتتعطل المصالح لمجرد تصريح صحفي يفتقر للحصافة أو زلة لسان أو موقف ناقد أو تباين في الرؤى السياسية.
عن موقع قناة بلقيس