بتأريخ 21 ديسمبر /كانون الجاري، نشرت وكالة الأنباء السعودية (واس) خبرا عن " لقاء السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، بعدد من السفراء لدى اليمن، لمناقشة التطورات الحاصلة في تنفيذ اتفاق الرياض، بعد تنفيذ الشق العسكري وإعلان تشكيل الحكومة ".

وفي تفاصيل الخبر: "السفراء قدموا تهانيهم للمملكة على الجهود المبذولة في تشجيع الأطراف اليمنية لتنفيذ اتفاق الرياض ".

الكل يعلم مدى تدخلات السفير السعودي، محمد آل جابر، في الشأن اليمني، حيث تجاوز مهامه الدبلوماسية إلى ما يشبه المندوب السامي، والوصي على القرار السياسي اليمني، لكن أحدا لم يكن يتصوّر أن يصل الأمر إلى حد استلاب القرار السياسي اليمني كلية، والقيام بمهام الرئيس هادي ورئيس الحكومة معين عبد الملك، واستقبال السفراء لدى اليمن، ومناقشة التطورات والمستجدات اليمنية معهم، بدلا عن الرئيس هادي ورئيس وزراء حكومته معين عبدالملك !

* الإشراف على تنفيذ "اتفاق الرياض "

السفير آل جابر هو مهندس اتفاق الرياض، الهادف لتمكين الانتقالي، وقد قام مؤخرا بالإشراف على ما أسماه "تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض"، حيث حصر تنفيذ الشق العسكري في إيقاف الاشتباكات بين قوات الحكومة وقوات الانتقالي في ضواحي زنجبار بأبين فقط، إذ قام باستقدام عددٍ من الأطقم من "قوات العمالقة" -التي كانت في الساحل الغربي- بصفتها "قوات حفظ سلام محايدة " ، ووضع بعض الأطقم من "العمالقة" في مناطق الاشتباكات، بعد انسحاب كلٍ من قوات الحكومة والانتقالي إلى مواقعهم السابقة، ثم أعلن آل جابر في حسابه ب"تويتر" أنه تم تنفيذ الشق العسكري، وانتهى الأمر دون أي تطبيق لبنود الشق العسكري من اتفاق الرياض. فقوات الشرعية لم تدخل مدينة عدن بعد، كما لم يتم دمج قوات الانتقالي في قوات الجيش الوطني، ولا عادت الشرعية إلى سقطرى، وغيرها من البنود التي قام آل جابر بتعطيلها ولعب مسرحية مكشوفة. فـ"قوات العمالقة" هي قوات تابعة للانتقالي، وكانت تقوم بتعزيز قواته أثناء المواجهات مع القوات الحكومية وبشكل شبه يومي، كما تتلقى تمويلها وتدريبها وتسليحها وتوجيهها من الإمارات، لكن السفير السعودي آل جابر فرضها "قوات حفظ سلام محايدة" في أبين، وأذعن الجميع !!

* حاكم فعلي وناطق باسم الحكومة !

مؤخرا، تحول السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى ناطق باسم الحكومة اليمنية، حيث ينشر أخبار الحكومة اليمنية، كما يقرر متى يبدأ تنفيذ الشق العسكري، ومتى سيتم تشكيل الحكومة، ومتى ستعود إلى مدينة عدن، وهو من يكشف سبب تأخير إعلانها، ومتى سيتم إعلانها، وهو من يعين الوزراء، وهو من يعترض على وجود بعضهم، ويستبعدهم من تشكيلة الحكومة، وهو من يتحدث عن التطورات والمستجدات في الساحة اليمنية، وهو من يستقبل الرئيس هادي إذا زار محافظة يمنية، كما حدث حين استقبل هادي لدى زيارته لمحافظة المهرة، في أغسطس/ آب 2018 م، وهو من يشرف على المساعدات الإغاثية، ومن بيده ملف التنمية، وإعادة الإعمار، وهو من يترأس لجاناً اقتصادية مهمتها إدارة ملف بيع الوقود واستلام عائدات الجمارك والضرائب في اليمن، وهو من لديه حصة ثابتة في الحكومة، فرئيس الوزراء معين عبدالملك وعدد من الوزراء هم من حصة السفير السعودي (آل جابر)، كما ورد في الصورة التعريفية بالوزراء والمرفقة بقرار تشكيل الحكومة في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وهو من يوزع التأشيرات وفرص العمل لليمنيين، وبيده فتح المنافذ اليمنية أو إغلاقها. حيث يتصرف كحاكم فعلي لليمن، يصدر الأوامر والتوجيهات، ويمنع صرف رواتب الجيش الوطني لأكثر من 6 أشهر، ويحرص على التدخل بكل شؤون الجيش الوطني وتحركاته .

وقد كان لافتا نقده الشديد في تغريدة منشورة له بتاريخ 19 مارس /آذار 2020 الماضي، الجيش الوطني لإجرائه مناورات في "شقرة" بمحافظة أبين، وقد أكد آل جابر في تغريدته تلك أنه "ليس من المقبول أن تكون هناك قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقرة، ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر في ظل اتفاق الرياض "!

* تصفية السيادة الوطنية

تدخلات السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في القرار السياسي اليمني ومصادرته تعتبر تعديا صريحا وانتهاكا سافرا لما بقي من السيادة اليمنية، وهي تدخلات تتسق مع السياسة السعودية التخريبية في اليمن منذ عقود . فالسعودية تنظر إلى اليمن بصفتها دويلة تابعة لها، وقد سعت بكل السبل والوسائل لمنع استقلال القرار السياسي اليمني، والسيطرة على القوى السياسية والشخصيات المؤثرة عبر رواتب "اللجنة الخاصة"، والإشكالية أن هذا الاعتداء السافر على السيادة اليمنية يقابل بصمت غريب من قبل الرئاسة والحكومة، إذ يبدو هادي مغلوبا على أمره، فيما يتماهى رئيس حكومته معين عبد الملك مع تدخلات السفير آل جابر نظير بقائه رئيسا للحكومة، فهو من رشّحه لهذا المنصب، وهو منصب صار من حصة السفير آل جابر، فيما يقابل بقية الوزراء والمسؤولين ما يحدث بصمت، بل ويسعى الكثير منهم لتملّق آل جابر والتغني بجهوده ومدحه على الدوام، بغية نيل رضاه لترشيحه لمنصب، كما تصمت القوى السياسية والنخب الوطنية عن هذه التدخلات المستفزة والعدوانية، وهو صمت مخزٍ، سيدفع الجميع ثمنه في القريب العاجل .

عن موقع قناة بلقيس