رغم مشاركة الانتقالي في الحكومة الشرعية بمدينة عدن، وتأكيده في كل مناسبة على التزامه بـ"اتفاق الرياض" إلا أن رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، أكد في حوار مع قناة "سكاي نيوز" الإماراتية، بتاريخ 7 يناير / كانون الثاني الجاري، أن "المجلس تحمّل على عاتقه هدف استعادة دولة الجنوب بحدود عام 1990م"، وأنه "لا استقرار في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي دون حل الدولتين"، هذه التصريحات ليست مفاجئة لمن يتابع مسيرة الانتقالي وتناقضاته وتعامله التكتيكي مع الأحداث والمستجدات، بما يخدم مشروعه الصغير على حساب المشروع الوطني واستعادة اليمن الكبير، ولكن الملفت أن السعودية، التي دعمت تشكيل حكومة مناصفة مناطقية بمشاركة الانتقالي، رعت "انتهازية " الانتقالي ودعمتها منذ سنوات، وذلك وفق مراحل وخطوات تؤدي في النهاية إلى تمكين الانتقالي من السيطرة على كل مناطق الجنوب، وإعلانه تحقيق مشروعه الصغير .
السعودية وتدليل الانتقالي
منذ مطلع 2018، بدأ الانتقالي ينفذ مخططاته الانقلابية ضد الحكومة الشرعية، حيث قامت ميلشياته بمهاجمة قوات الحكومة الشرعية في العاصمة عدن، في يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2018، بعد افتعال مظاهرات ودعوته إلى إقالة الحكومة، لتفضي تلك الأحداث إلى حصار الحكومة في قصر الرئاسة، وانتقالها إلى السعودية، ورغم عودة الحكومة -بعد ذلك- قامت مليشيا الانتقالي للمرة الثانية بمهاجمة القوات الحكومية في عدن، بتأريخ 7 أغسطس/ آب 2019، ليسيطر الانتقالي -بدعم وتواطؤ إماراتي 3سعودي- على العاصمة عدن، لتغادر الحكومة بعد ذلك إلى الرياض، وقد صمتت الرياض عن كل ممارسات الانتقالي، ودعمتها سرا، وسهلت له -بالتنسيق مع الإمارات- السيطرة على عدن وأجزاء من أبين، وإعلان "الإدارة الذاتية" في 26 أبريل/ نيسان 2020، في المحافظتين، وفرض وجوده كسلطة أمر واقع .
وقد قام الانتقالي بكل هذه التحركات والممارسات، التي وضعت الكثير من العراقيل والتحديات أمام الحكومة الشرعية، بدعم إماراتي كامل، وبتنسيق وتسهيل وتواطؤ سعودي .
فالسعودية كانت قادرة على مواجهة تحركات الانتقالي وإيقافها، ولكنها فضّلت التنسيق والتعاون مع الإمارات، بما يؤدي لتمكين الانتقالي على حساب الشرعية والمشروع الوطني واليمن الكبير، وبعد ذلك انتقلت السعودية لدعم الانتقالي من خلال اتفاق الرياض .
اتفاق الرياض لتمكين الانتقالي
بعد أن تحوّلت الإمارات إلى عدو واضح لليمنيين، اتفقت مع السعودية على تمكين الانتقالي بصفته الخيار الأفضل لرعاية مصالحها ومصالح السعودية، وتحقيق أجندة الدولتين في الجنوب، فقامت السعودية باستدعاء قيادات الانتقالي إلى الرياض، وقامت بإعداد "اتفاق الرياض" بالتنسيق مع الانتقالي كمرحلة ثانية، لتمكينه، الذي بدوره قام بالتوقيع على "اتفاق الرياض" في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. فمن خلال هذا الاتفاق سعت السعودية إلى إضفاء الشرعية على الانتقالي، وتقديمه بصفته ممثلا للجنوب، وتسويقه كطرف شرعي أمام الإقليم والعالم، بينما ظلّ على الأرض يواصل رفضه التخلي عن مكاسبه، التي حققها سابقا، ولم ينفذ أي بند من بنود اتفاق الرياض، الذي وقع عليه .
وكل هذا حدث وقيادات الانتقالي في الرياض، والسعودية ترفض أن تقف موقفا واضحا وإيجابيا وقويا إلى جوار الشرعية، أو أن تضغط عليه لتنفيذ الاتفاق، والالتزام به .
وبينما كانت قيادات الانتقالي تنعم بإقامة فاخرة في فنادق الرياض، كانت ميلشياته تمنع طائرة الحكومة من الهبوط في مطار عدن، لتعود إلى الرياض، وكانت أيضا تنهب 88 مليار ريال يمني كانت في طريقها إلى البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة (عدن) .
وفيما كانت قيادات الانتقالي تتمتع بضيافة فنادق الدرجة الأولى في الرياض، كانت ميلشياته، في 19 يونيو /حزيران 2020، تهاجم قوات الشرعية في سقطرى، وتستولى على مدينة "حديبو" عاصمة الأرخبيل، بدعم إماراتي، وتسهيل وتواطؤ سعودي، وكانت السعودية قادرة على إيقاف كل هذه الممارسات الانتهازية باتصال واحد، لكنها صمتت وسهلت له كل ممارساته، ومنعت الشرعية من التحرك القوي ضده، لأنها تسعى لتمكينه بشتى السّبل والوسائل .
التمكين من خلال مشاركة الحكومة
بعد أن حقق الانتقالي كل تلك المكاسب، خلال الثلاثة الأعوام الماضية، انتقلت السعودية إلى خطوة لتمكين الانتقالي، الذي رفض تنفيذ أي بند من بنود اتفاق الرياض الذي وقع عليه، فقامت السعودية بفض الاشتباك بين ميلشياته وبين القوات الحكومية في مناطق التماس في أبين، وإحلال قوات من "العمالقة"، التي كانت ترابط في الساحل الغربي، في مواقع التماس، بينما انسحبت قوات الانتقالي إلى معسكراتها، ولم تغادر "زنجبار" و"شقرة"، وانسحبت القوات الحكومية إلى مواقعها السابقة، لتعلن بعد ذلك السعودية استكمال تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض. وبناءً عليه، تم إعلان الحكومة الجديدة، التي شارك فيها الانتقالي، فعادت إلى عدن في 30 ديسمبر /كانون الأول 2020، واستقبلت بقصف في المطار وانفجارات شبه يومية في مدينة عدن .
التمكين من خلال المشاركة في الحكومة هو الحلقة ما قبل الأخيرة من مخطط التمكين السعودي للانتقالي، ودعم انتهازيته، ومشروعه الصغير، وقد أكد الانتقالي -من خلال هذه التصريحات- تمسكه بمشروعه الانفصالي، رغم مشاركته في اتفاق الرياض، وفي الحكومة كنوع من التكتيك للوصول إلى "استعادة دولة الجنوب بحدود عام 1990م"، بدعم سعودي- إماراتي كامل.. فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وقد قطع الانتقالي خطوات نحو هدفه، وبمباركة من الشرعية التي سلمت أمرها للسعودية والإمارات، فجردتها من عوامل قوتها، ونزعت مخالبها، وتركتها مجرد بطة عرجاء منتوفة الريش، مكسورة الجناح، وكل ما عليها هو شرعنة المشاريع الصغير ومباركتها، فهل سينجح الانتقالي في تحقيق مشروعه في الجنوب بدعم سعودي- إماراتي؟ !
هذا ما سيتضح خلال الفترة القادمة .
المصدر : موقع قناة بلقيس