مأرب هي بوابة السلام الذي سيحقق الاستقرار والأمن لليمن.. هكذا ستكون بتحويلها، باتفاق اليمنيين، إلى مركز صمود في مواجهة المشروع الكهنوتي الخطير .
هذه البقعة المحاطة بجغرافيا يمنية معقدة قاسية، وطبيعة بشرية متغلبة على هذه القسوة ..
الملفوفة بعناية في تاريخ لا يمكن فصله عن حاضرها الذي يتبدى في التمسك بأصالة الهوية في علاقتها بالحضارة، والحكمة، والتعايش.. وكذا " المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد " ..
قدر لها أن تكون المكان الذي ستنطلق منه مسيرة السلام بإغراق " الفأر" في السد، ومنعه هذه المرة من العبث به، كما تقول الاسطورة .
هكذا يبدو المشهد في اللحظة الراهنة.. لا بد من كسر ودحر هذا المشروع، ليتقرر المسار الذي يوصل اليمن إلى طريق الاستقرار وبناء الدولة .
مع بداية الهجوم على مأرب، لم تكن صدفة أن يوافق الايرانيون على زيارة المبعوث الأممي السيد جريفتس، بعد أن أجلت زيارته كثيرا .
كانوا يعتقدون أن الخطة التي أعدت للسيطرة على مارب لن يحتاج تنفيذها سوى بضعة أيام، ولذلك رأينا كيف رد المسئولون الايرانيون على "مشروع" السلام ودعوة المبعوث بعنجهية وبوضع شروط فجة، كشفوا فيها ما كانوا يخفونه من تدخل مخزي في الشأن اليمني الداخلي .
عندما اتضح لهم أن مشروعهم سينكسر في هذه البقعة التي ألهمت اليمنيين حقيقة أنه لم يعد أمامهم من خيار سوى أن يدافعوا عن وجودهم بروح مختلفة عما تعودوا عليه، حاول رئيس النظام الإيراني " روحاني" أن يمتص خيبة نظامه بأن دعي اليمنيين إلى " حوار مباشر فيما بينهم" لإنهاء الحرب .
لم ينتبه أحد لهذا التطور في الخطاب الإيراني تجاه القضية اليمنية والذي أخمد فوراً بضجيج صدر، بشكل مقصود، عن حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الذي تمسك بخطة اجتياح مأرب، في أسوأ مكافأة يقدمها لليمنيين الذين طالما للأسف منحوه تقديرهم .
أنعش ذلك الضجيج الحوثيين مجدداً وأخذوا يطلقون تصريحات عنترية لتغطية الخيبة التي لحقت بهم على أرض الجنتين .
الحوثيون يدركون ماذا يعني دحرهم عن مأرب، ولذلك فإنهم يستميتون بحشد ودفع اليمنيين إلى الموت، غير مبالين بالدم المسفوك والذي يسفك على نحو مخيف، في مشهد لا يمكن تفسيره إلا بأن هذه الجماعة هي مجرد امتداد لذلك النوع من منظومة الصراع "الدعوي" الذي شهده تاريخ مفعم بالقتل والتآمر وسفك والدماء لتنصيب إمام أو سيد أو داعية، وليس من أجل إقامة دولة عادلة لكل الناس .
إن طريق إقامة الدولة العادلة مختلف تماماً عن هذا الطريق، وقد توصل إليه اليمنيون بالحوار، وانخرطوا فيه وكان تصحيحاً لتاريخ مليء بالألآم .
هذا الصمود في وجه هذا الاجتياح الغاشم لا بد ان يقابله موقف جامع يتخطى صراعات الماضي، وسخافات الحاضر الناشئة عن سقوط مؤسف للبعض في فراغ اليأس والتحامل، والهروب بخفة إلى منصة الحكم على عمل الآخرين وتقييمه دون مؤهلات ذات قيمة سوى استعادة أدوار قديمة في الاساءة، والقيام بدور "الفأر الثاني" في تخريب هذا التلاحم بإشعال الخلافات واستدعاء دوافع تصفية حسابات قديمة .