ليس هناك أدنى شك بأن إعلان العميد طارق صالح عن تشكيل مجلس سياسي ليكون واجهة لقواته المرابطة في مدينة المخا قد رمى حجراً في المياه الراكدة، لكن هذه الحجر للأسف صُقلت وأعدت في أبوظبي ثم أعطيت لهذا لقائد ليلقيها في البركة السياسية اليمنية الآسنة. خلال الأسبوعين الماضيين شهدت محافظة تعز تطورات عسكرية مهمة لم تكن قوات العميد طارق جزءاً منها، حتى بدا التطور السياسي المرتبط بهذا القائد وقواته كمن يريد تحصين موقعه وكانتونه الخاص في مواجهة استحقاقات التقدم العسكري الذي يحققه الجيش الوطني بمؤازرة المقاومة الوطنية في ريف تعز الشمالي الغربي. يتصرف طارق انطلاقاً من شعوره بحيازة الجائزة الجغرافية التي حصل عليها من أبوظبي، وهي السيطرة على مدينة المخا ومينائها وبضعة مدن ومناطق أخرى، ويسعى إلى تأسيسها كجمهورية تعكس الأيديولوجيا التي تتبناها كتائبه وعناصرها الذين يتصرفون كحراس جمهورية. من المؤسف أن قوات طارق لم تنخرط في عملية عسكرية شاملة ضد الحوثيين، فهي تموضعت في المخا لتقوم بحراسة الأرض التي اندحر منها الحوثيون بعد أن وضعت الإمارات أفضل ما لديها من أسلحة تحت تصرف المعركة التي انتهت بدحر الحوثيين وقوات صالح، وهنا تكمن المفارقة. كان طارق جزءاً من القوة التي تقاتل حتى تبقى المخا تحت تصرف الانقلابيين، وعندما تحقق هدف التحرير، وحدث ما حدث في صنعاء استدعي طارق لبناء القوات المتبعثرة لصالح وتجميعها في معسكرات بعدن ثم بعد ذلك جرى نقلها إلى المخا. وهكذا يبدو طارق كمن يقطف ثمار جهود الآخرين ويتحكم بالنتائج المفترضة للمعركة. ويُعزى ذلك إلى أن الإمارات هي من أراد ذلك، لأنها تريد أن تكرس حالة الانفصال القائمة بين شمال اليمن وجنوبه، لتبقى العلاقة القائمة بين الشطرين الافتراضيين، علاقة تكامل في إطار الأجندة الإماراتية. لم يعلق حزب المؤتمر الشعبي على التطور السياسي الذي قام به نجل شقيق مؤسسه، في وقت سكت فيه الإعلام المحسوب على المؤتمر وبالأخص نسخة صنعاء من هذا المؤتمر.وهذا الأمر قد يكون له علاقة بوضعية التركة السياسية الوحيدة لصالح، والتي باتت متشظية وغير متماسكة وجزءاً من حالة ارتهان وارتزاق تشكله على سطح السياسة اليمنية في هذه المرحلة. ومع ذلك يبدو أن هذه الخطوة تروق لنسخة صنعاء من المؤتمر الشعبي العام، والتي ترغب بأن يكون لها قاعدة عسكرية وجغرافية في مكان ما من اليمن لتأسيس جمهورية المؤتمر الشعبي العام المفقودة، وهذه القاعدة ترسخت إلى حد وبفضل الدعم الإمارات والسعودي إلى حد ما، لكن لا موانع أصيلة قد تكفي لحماية هذا الكانتون في حال تبدلت الأحوال وارتفع الدعم الإماراتي. لهذا حرص المؤتمر الذي يتولى أحمد علي عبد الله صالح منصب نائب الرئيس فيه، على عدم إبداء موقف حيال طارق وما قام به، حتى يبقى في منأى عن النقد والمحاسبة، لكنه متأكد من أن خطوة العميد طارق هي نوع من التمكين السياسي والجغرافي لهذا الحزب الذي لن يكون له أثر سياسي إذا لم يًعِد تصويب البوصلة باتجاه صنعاء، لا أن يتصرف كإقطاعي بائس في الساحل الغربي للبلاد.
ياسين التميمي
جمهورية المؤتمر الشعبي في غرب تعز 1277