وقّعت الصين وإيران، يوم 27 مارس/ آذار الماضي، شراكة استراتيجية لمدة 25 عاما، وبحسب مسودة الاتفاقية فإن الصين سوف تقوم بضخ استثمارات كبرى في إيران بقيمة 400 مليار دولار في مجالات عدة، أهمها: البنوك، والاتصالات، والموانئ، والسكك الحديدية، والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات، وعلى مدى السنوات الـ 25 المقبلة القادمة، وفي المقابل ستحصل الصين على إمدادات منتظمة، وبأسعار مخفضة جدا من النفط الإيراني .
فماذا حققت هذه الشراكة لإيران؟
وهل عززت نفوذ الصين في المنطقة؟
وهل هي مؤشر على تراجع الهيمنة الأمريكية في المنطقة؟
تساؤلات سنجيب عنها في هذا التحليل :
تأتي هذه الشراكة في ظل مماطلة وتردد من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران أو تخفيفها، رغم وعوده المتكررة بذلك، ولذا فإن إيران بحاجة ماسّة لمثل هذه الشراكة التي تعزز الموقف الإيراني، وتؤكد لواشنطن ولأوروبا أن لدى إيران خيارات أخرى مُتاحة، وأنها لن تنتظر طويلا وعود بايدن، وبإمكانها الاتجاه شرقا نحو الصين وروسيا. كما أن ايران في مفاوضاتها القادمة مع واشنطن ستكون أكثر قوّة بعد هذه الشراكة، إضافة إلى أن ضخ 400 مليار دولار في إيران سوف ينعش الاقتصاد الإيراني المتعثر بفعل العقوبات الأمريكية القاسية، التي وصلت حدودها القصوى وبفعل جائحة 'كورونا'، وسوف تشجع هذه الشراكة دولا وشركات عالمية على العودة إلى الاستثمار في إيران، فردُّ الفعل الأمريكي على هذه الشراكة لم يزد عن القلق والرضوخ للأمر الواقع، وهو ما يعني أن العقوبات الأمريكية والضغوط القصوى المفروضة على إيران، منذ فترة ترامب، قد انتهت بشكل عملي، كما أن هذه الشراكة قد كسرت الجهود الأمريكية لعزل إيران وفرض عقوبات على أي دولة أو جهة تقوم بالاستثمار فيها .
ورغم المخاوف التي دفعت ببعض الإيرانيين إلى التظاهر ضد الشراكة الإيرانية - الصينية، واتهام النظام الإيراني ببيع إيران للصين، إلا أن هذه المظاهرات - التي حدثت في طهران وبعض المدن الإيرانية يوم الاثنين 29 مارس/ آذار الماضي- محدودة جدا، ولا تشكل رأيا عاما مؤثرا. فالأغلبية مع هذه الشراكة، التي سوف تستفيد منها إيران، فتنعش اقتصادها، وتبيع نفطها المكدّس بمكيات كبيرة، بسبب العقوبات الأمريكية، وتكسب الصين إلى جوارها، وتستفيد كذلك من التكنولوجيا الصينية، ومن التدريبات المشتركة، وكذلك البحوث وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية .
من المؤكد أن الشراكة الصينية- الإيرانية قد مثّلت خطوة كبرى في المشروع الصيني الهام (مبادرة الحزام والطريق)، وذلك بعد أن عقدت اتفاقيات مماثلة مع باكستان وماليزيا، وبهذه الشراكة تخطو الصين بثبات لتحقيق هذا المشروع الضخم، الذي سيزيد من قوة الصين وتأثيرها في المنطقة والعالم، كما أن الصين على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني، وبأسعار منخفضة جدا، فهي تفتقر لإمدادات الطاقة التي تواكب نهضتها الصناعية المتسارعة، ما جعلها السوق الأكبر للطاقة في آسيا .
ومن خلال الشراكة الإيرانية - الصينية عززت الصين نفوذها في المنطقة، إذ تشير مصادر إيرانية إلى أن الاتفاقية قد تضمّنت حصول الصين على قواعد عسكرية في بعض الجُزر والسواحل الإيرانية، وهو ما يترجم بشكل عملي الاتفاقيات في المجال العسكري، التي تضمّنت التدريبات العسكرية، والمناورات المشتركة، وتطوير الأسلحة وغيرها، والوجود العسكري الصيني في الخليج، الذي يتزامن مع سحب الولايات المتحدة قواتها من المنطقة بشكل تدريجي، كما أكدت صحيفة "وول ستريت الأمريكية" في 1 أبريل/ نيسان الجاري، ما يعني أن موازين القوى في المنطقة تتغيّر لصالح الصين اقتصاديا وعسكريا .
لقد أظهرت الصين، من خلال هذه الاتفاقية، سعيها المتزايد لتعزيز نفوذها في الخليج والشرق الأوسط، ولعب دور أكبر في منطقة كانت تمثل طيلة العقود الماضية ساحة نفوذ حيوية للولايات المتحدة، فلأول مرة تبدي الصين استعدادها لاستضافة المحادثات المباشرة بين 'الإسرائيليين' والفلسطينيين، وهو -بحسب " نيويورك تايمز"- تلميح إلى أن الهيمنة الأمريكية في المنطقة قد أعاقت السلام والتنمية، وأن بيجين المنافس القوي لواشنطن مستعدة للعب دور البديل في الشرق الأوسط، وهذا ما يؤكد أن الدور الأمريكي في المنطقة والعالم قد بدأ بالتراجع التدريجي، وأننا سنشهد -خلال الفترة القادمة- عالما ثنائي القطب بكل ما لهذه الثنائية من تأثيرات وصراعات .
نقلا عن موقع قناة بلقيس