منذ إعلان المملكة العربية السعودية مبادرتها لوقف إطلاق النار في الـ22 من شهر آذار/مارس، بدا الأمرُ كما لو أنها تحررت من الضغوط الدولية التي لطالما نظرت إلى ما يجري في اليمن على أنه حرب الأغنياء على الفقراء
.........،
ذكر شهود عيان أن "محتجين غاضبين أقدموا على قطع الشوارع الرئيسية بمدينة المكلا، احتجاجا على تردي الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء". (AA)
حيث يبدو القاتل المحليّ الخطير ممثلاً بالحوثيين بعيداً عن الأضواء رغم حجم الأذى الذي يُلحقه باليمنيين، بل ثمّة من يدعم فكرة تمكين هذه الجماعة المتعصبة طائفياً، كمتحكّم رئيس في الساحة اليمنية.
في الحقيقة لا شيء يمكن أن يبدد هذا التصوّر بشأن الحرب، فالسعودية بأسلوبها في إدارة الحرب، يبدو أنها تستخدم فائض القوة لإلحاق الأذى باليمنيين جميعاً رغم التّظاهر بأنها تخوض حرباً مع المشروع الإيراني في اليمن، وأنّ الحوثيين يمثلون مصدر تهديد وجودي لها في الجزء الجنوبي من المملكة.
والمشكلة أنّ فائض القوة يتناقص وتتضاءلُ مكاسبه على الأرض، ويزداد حجم التحديات الآتية من تنامي قوة الحوثيين، وهي قوة لا تعني على الفور أنّ الحوثيين يمتلكون كامل السّلاح الذي يُلحقون به الأذى العسكري والإستراتيجي بالسعودية وبعمقها ومنشآتها الحيوية، ولكنه أيضاً يأتي من التخادم المكشوف والمستفز من جانب إيران مع الحوثيين استغلالاً للحرب في اليمن.
فطهران هي من تتولى في أحيان عديدة تأمين الأسلحة وتوجيهها على المنشآت الحيوية السعودية، ليتلقّف الحوثيون المسؤولية عنها، ولتبدو الحرب في اليمن غطاء مثالياً للاختراقات الخطيرة التي تقوم بها إيران للمكانة العسكرية الإقليمية للمملكة التي تمتلك ثالث أكبر أسطول من طائرات F-15 الحديثة وترسانة كبيرة من أحدث الأسلحة.
تكمن مشكلة السعودية في أنها تحارب في اليمن، وهي ترقب ارتدادات معركتها على مزاج صُنّاع القرار في واشنطن والغرب، وهذا يضعها أقرب إلى إنجاز صفقة لا تتناسب ربما مع مصالحها في اليمن قد يكون الحوثيون أحد أبطالها، الذين ترى فيهم أحياناً بديلاً مناسباً عوضاً عن النهاية المثالية المفترضة للحرب إذا ما هُزم الحوثيون وانتصر خصومهم الذين يسعون أصلاً لاستعادة الدولة بمشروعها السياسي الجمهوري الديمقراطي.
لطالما مارست السعودية حرباً موازية على حلفائها في الساحة اليمنية، لكنها لا تستطيع الاستغناء عنهم، وربما نراها تتراجع إزاء تشدد لطالما أبدته إزاء هؤلاء الشركاء الذين تصفهم بـ"الإخوان الإرهابيين"، خصوصاً أنّ مؤشرات عديدة تؤكد أنّ السعودية على وشك خسارة الحرب في اليمن لصالح إيران، وهذا إن تحقق فستكون السعودية هي من هزمت نفسها وليس إيران.
وعلى الرغم مِن أنّ مبادرة وقف إطلاق النّار التي أعلنتها السعودية تمثل تجاوزاً غير مقبول للصلاحيات الدستورية للرئيس المقيم في السعودية، إلا أنّ الرياض لا يبدو أنها أغلقت النافذة التي تأتي منها الضغوطات الشديدة.
فالحوثيون سارعوا إلى رفض المبادرة التي اعتبروا أنها لم تأت بجديد، ثم انطلقوا بحثاً عن مكاسب إضافية يمكن أن ينجح المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ في انتزاعها من الرياض والسلطة الشرعية، خصوصاً أن لدى المبعوث ثقة متزايدة بأن ما يريده من جانب السعودية والشرعية سيُوافق عليه وفقاً لمسؤول يمني مطلع على تحركات المبعوث الأمريكي وأحاديثه في الغرف المغلقة مع الشرعية.
تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن كما لو أنّ نهاية الحرب استحقاقٌ أمريكي أكثر من أي شيء آخر، حيث تؤشر مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة دائماً إلى اختراقٍ يفترض أن يتحقق على الساحة اليمنية، لإثبات أن بايدن يعني ما يقوله، حينما يؤكد أنّ الولايات المتحدة تضع الجهد الدبلوماسي في مقدمة الخيارات لمواجهة الأزمات الدولية وفي مقدمتها الأزمة في اليمن.
من الواضح أنّ واشنطن تتكئ على إخفاقات السعودية لهذا تبدو واثقة من أن مقاربتها للأزمة اليمنية، بغضّ النظر عن كونها تُبقي الحوثيين وتكافئهم، سوف تصل إلى النهايات التي تتطلع إليها واشنطن وليس الرياض والسلطة الشرعية التابعة لها.
لا تزال الطائرات السعودية تكافح لمنع الحوثيين من التّقدم باتجاه مدينة مأرب المكتظة بملايين السكان فيها، في ظروف عيش اضطرارية، لذلك يقاتلون بشراسة حتى لا تخرج المدينة من تحت سيطرة الحكومة الشرعية، على الرغم مِن الظّل الباهت لهذه الشرعية في معركة مصيرية كهذه.
لا أعتقد أن السعودية سوف تجازف بمنح الحوثيين فرصة لدخول مأرب رغم أنها لم تتقدم خطوة واحدة فيما يتعلق بدعم الجيش وتسليحه وتمكينه من تقليص فارق القوة النارية مع الحوثيين، مما يجعل المعركة مزيجاً من استبسال المدافعين عن المدينة وجنون مهاجميها الذين يعتمدون على إستراتيجية الموت دون توقف.
وحينما يتعلق الأمر بآفاق الحل المتصلة بالأزمة والحرب في اليمن، فإن الخطورة تكمن في مدى قابلية الرياض على عقد صفقة مع واشنطن تقوم على مبدأ المساومة بنهاية الحرب مقابل انفتاح أمريكي غير ضاغط على الرياض فيما تبقّى من العهدة الرئاسية لبايدن.
وهذا يمكن أن يتحقق إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السلطة الشرعية تفتقد القدرة على قلب الطاولة، وإعادة توجيه مسار الأزمة نحو نتائج مغايرة لتلك التي تخطط لها واشنطن أو قد تنزلق إليها الرياض دعماً لولي عهدها.
نقلاً موقع قناة عنTRTعربي