أبلغت ايران الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسمياً، الثلاثاء الماضي 13 أبريل نيسان الجاري أنها سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 % وذلك ردا على الاستهداف الاسرائيلي لمنشأة نطنز النووية 11 أبريل نيسان الماضي وقد استغلت ايران حادثة التخريب فقامت باستبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة بأجهزة أكثر تطورا في منشآتي نطنز وفورد وذلك لتسريع انتاج اليورانيوم نسبة نقاء عالية وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف عديدة وجدل عالمي حول مدى امكانية إيران من صناعة قنبلة نووية ؟
وهل هذه الخطوة لتسريع انتاج القنبلة النووية ؟ أم للضغط على واشنطن للعودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها ؟ وهل هذه النسبة الـ 60 % قادرة على صنع قنبلة نووية ؟ وكم تحتاج ايران من الوقت لصناعة قنبلة نووية ؟
وهل تريد ايران فعلا صناعة قنبلة نووية ؟
تساؤلات سنجيب عنها في هذا التحليل ..
لابد في البداية أن ندرك أن الصناعة النووية ليست من أجل انتاج قنبلة نووية فحسب بل ان الصناعة النووية تدخل في مجالات حيوية كثيرة ومنها انتاج الكهرباء والطاقة وبعض الأدوية والصناعات الأخرى وبإمكان أي دولة أن يكون لها صناعة نووية لأغراض سلمية وبإشراف وكالة الطاقة الذرية والبرنامج النووي الإيراني برنامج قديم منذ خمسينات القرن العشرين وشاركت الولايات المتحدة والدول الأوربية في تأسيسه أيام الشاه وبعد رحيل الشاه وقيام الثورة الايرانية في 11 فبراير شباط 1979م وفي البداية وجه الخميني بتفكيك البرنامج النووي محرما استخدامه إلا أن الحرب الإيرانية العراقية مطلع الثمانيات جعلته يعيد التفكير في امكانية استخدام بعض جوانب البرنامج النووي لكن ظروف الحرب ومرحلة ما بعد الحرب أزاحت هذا البرنامج من أولويات ايران ، بعد رحيل الخميني في 1989م قامت الحكومة الإيرانية بتطوير تدريجي للبرنامج النووي وتوسيعه وبناء منشآت نووية عديدة وذلك على مدى عقد من الزمن إذ لم يتزايد القلق الغربي من برنامج ايران النووي إلا بعد عام 2003 لتبدأ بعد ذلك مفاوضات البرنامج النووي الإيراني بين ايران والدول الكبرى والتي استمرت حتى مايو آيار 2015 والتي تكللت بتوقيع الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة على ” خطة العمل الشاملة المشتركة ” والمعروفة بـ ” الاتفاق النووي ” والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق ترامب في 8 مايو آيار 2018م بينما تمسكت به بقية الدول لتعود مفاوضات فيينا في 6 أبريل نيسان الجاري لإعادة واشنطن للاتفاق النووي ورفع العقوبات على ايران .
وفقا للكثير من الخبراء في المجال النووي فإن رفع إيران لنسبة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 % من الصفاء الانشطاري لا يمكنها من صناعة قنبلة نووية إذ تحتاج ايران لصناعة قنبلة نووية نسبة صفاء انشطاري تتجاوز 90 % من تخصيب اليورانيوم على ان تستمر فيه لمدة لا تقل 10 أشهر عندها ستكون قادرة على صنع القنبلة النووية لكن نسبة الـ 60 % تظل مقلقة إذا تواصلت بمعدل تراكمي وتصاعدي ولكن باعتقادي أن ايران لجأت إلى هذه النسبة للضغط على واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على ايران لتبدأ بعدها وفق سياسة ” خطوة بخطوة ” في تقليص نسبة التخصيب لتعود إلى 20 % ثم تقليص النسبة أكبر إذا لمست جدية من واشنطن في رفع العقوبات ولو بشكل تدريجي لتعود إلى نسبة 20 % ثم تقليص النسبة أكبر إذا لمست جدية من واشنطن في رفع العقوبات ولو بشكل تدريجي لتعود إلى نسبة 3.7 % وهي النسبة المحددة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
من المؤكد بأن ايران تريد دخول النادي النووي وصناعة قنبلة نووية لكن هذا الأمر ليس أولوية لها إذ أن الهدف الأساسي من برنامج ايران النووي خلال الفترة الراهنة هو اعتباره ورقة ضغط على واشنطن والقوى الكبرى للتفاوض حول نفوذ ايران ومصالحها والأهم رفع العقوبات المفروضة عليها فإيران لديها استعداد لأن يبقى برنامجها النووي تحت اشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكن بعد أن ترفع العقوبات المفروضة عليها وتعود واشنطن للاتفاق النووي فرفع العقوبات هو الهدف الأساسي وأما الأهداف الأخرى فأبرزها حماية برنامجها الصاروخي وصناعاتها العسكرية الأخرى وحماية نفوذها في المنطقة وكذلك دعم حلفاءها وتحقيق مصالحها في المنطقة والعالم ، إذ تدرك ايران أن السلاح النووي هو سلاح ردع أكثر منه سلاح يستخدم في الحروب ، فإيران تستطيع إنشاء منشآت نووية سرية تحت الأرض أو تحت غطاء مصانع أخرى وصناعة قنبلة نووية فيها ولكن حتى لو افترضنا حدوث هذا فلن يضيف شي لإيران بالعكس سيجلب لها عداء واشنطن وإسرائيل وتفقد مصالح أكبر لكن إيران حريصة على برنامجها وعلى الإعلان عن رفع نسبة التخصيب لأنها تريد تأثير قرارها على الواقع أكثر من كونها تريد قنبلة نووية.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه أن المرشد الإيراني علي خامنئي أصدر في 9 أكتوبر تشرين الأول 2019 فتوى بتحريم السلاح النووي وقال في نصها : ” نحن قررنا بحزم وشجاعة عدم المبادرة إلى تصنيع السلاح النووي وامتلاكه رغم استطاعتنا ذلك لحرمة هذه الأمور وفق التعاليم الإسلامية ونعتبر استخدامه حراماً” .
وتساءل خامنئي : ” لماذا نصنّع ونمتلك شيئاً يحرم علينا استخدامه ؟ حتى لو امتلكنا يوماً ما سلاحاً نوويّاً لكان من المحتّم أننا لن نستخدمه “.
ومنذ الحرب العالمية الثانية وقصف الولايات المتحدة لمدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان بالسلاح النووي لم يستخدم السلاح النووي في أي حرب لنتائجه الكارثية وحتى الدول التي امتلكت قنبلة نووية مثل الهند وباكستان واسرائيل لا تفكر باستخدام هذا السلاح إلا إذا تعرضت لهجوم نووي وهذا يبدو بعيدا جدا إن لم يكن من المستحيل .
* باحث في الشأن الايراني