هناك تغير واضح في قواعد المواجهة العسكرية. تغيير فرضه صمود مأرب، بعد أن تحول من يفترض أنهم يمثلون الحكومة الشرعية إلى موقع الدفاع أمام مخطط الهجوم الشامل التي تنفذه ميلشيا الحوثي الانقلابية بشكل مركّز منذ أربعة أشهر.
اليوم باتت مأرب أكثر أماناً من ذي قبل، فقد أفرغ الحوثيون كل قوتهم على أبوابها وانتحروا كما لم ينتحروا من قبل، وفقدوا قواتهم وعتادهم، وتضاءلت فرصهم في حشد المقاتلين بعد أن تحولت الحرب هناك إلى محرقة كبيرة، الموت هو الحصاد الوحيد والمتاح فيها.
لم يكن الحوثيون وحدهم من يخطط لإسقاط مأرب، فقد تقاطع مخططهم مع إرادات دولية وإقليمية ومع مشاريع محلية يمثلها الانفصاليون الموالون للإمارات الذين يحتلون عسكرياً مدينة عدن العاصمة السياسية المؤقتة لليمن ومعها سقطرى، الجميع كان يعتقد أن مأرب هي حجر العثرة الوحيدة التي تقف أمام مخططاته.
أراد اللاعبون الإقليميون ممارسة أقصى الضغوط العسكرية على مأرب والقوات المتواجدة فيها، حتى تفقد السلطة الشرعية الورقة الأخيرة وترضخ للمخططات التي ستفرضها القوى الإقليمية المتحكمة.
لكن تشاء الأقدار أن يصل الرئيس جوزيف بايدن إلى السلطة في واشنطن بعد انتخابات مثيرة للجدل، ليعيد إحياء مخطط سابق للإدارة الديمقراطية بشأن منطقة الشرق الأوسط وأحداثها، وبينها حرب اليمن، وهو مخطط يهدف إلى إعادة إيران كلاعب إقليمي بكل ما يحتمله مخطط كهذا من إمكانيةٍ لاسترضاء إيران بإبقاء توابعها يتمتعون بنفوذ مؤثر في منطقتنا وبينهم ميلشيا الحوثي الانقلابية.
أظهر بايدن صرامة في فرض مخطط إدارته في المنطقة على نحو هدد بقلب الطاولة على اللاعبين الإقليميين الحمقى الذين لم يترددوا في توظيف الحوثيين لصالح مخططهم الخبيث لتقسيم اليمن وتقاسمه كتركة مستباحة، عندما سمحوا لهم بالتقدم نحو مأرب بعد أن دبروا خطة الانسحاب المفاجئ لقوات الجيش الوطني من مواقع متقدمة في نهم الواقعة شرق العاصمة صنعاء.
لم يكن أمام الرياض من طريقة لتفادي خسارتها الحرب في اليمن سوى التمسك بورقة مأرب، وذلك يفسر لماذا كثف الطيران تدخله في المعارك الدائرة في محيط مدينة مأرب خلال الأشهر الماضية، مما ساهم في تعظيم خسائر الحوثيين، وعادَلَ ميزان القوى إلى حد ما لصالح الجيش الوطني الذي يعاني من شحة في الإمدادات العسكرية والرعاية التي يستحقها، بفعل السياسات الحمقى للرياض.
يتصرف الجيش الوطني في مأرب كقوة مؤتمنة على الجمهورية والدولة وعلى مستقبل الشعب اليمني الذي تتهدده الميلشيات الطائفية والانفصالية، ولم يفت من عضده تخلي السلطة الشرعية عنه وعجزها عن التفاوض من أجل أن يحصل على ما يستحقه من دعم.
إن الصمود الأسطوري للمدافعين عن مأرب نجح بالفعل في أن يضع موضوع المدينة والتداعيات الخطيرة لاستمرار الحرب في محيطها كنقطة نقاش ذات أولوية في الأجندة الدولية، واليوم باتت تصريحات المسؤولين الأمريكيين أكثر وضوحاً في المطالبة بوقف الحرب في مأرب ورفض الهجوم على المدينة، وهذا يعني أن على الجميع أن يتصرفوا منذ الآن وهم على يقين بأن مأرب باقية كقلعة أكثر منعة وقوة بل وبإمكانها أن تعدل ميزان القوى بما يسمح باستهداف الحوثيين وإنهاء نفوذهم العسكري.