في قصر 22 أيار/ مايو الكائن في حي التواهي بمدينة عدن، وهو قصر أسطواني يتميز بإطلالة رائعة على خليج عدن، تم بناؤه بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية قبل 31 عاماً بأمر من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، يعقد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي منذ عودته إلى عدن في الأول من هذا الشهر اجتماعاته مع هيئات المجلس، مُطْلقاً تصريحاتٍ متناقضة عن استعادة الدولة وضرورة عودة الحكومة التي تمثل دولة يراها الزبيدي سلطة احتلال .
اللافت في الاجتماعات التي يعقدها الزبيدي، أنها لا تخلو من مشاركة وزراء المجلس في حكومة الكفاءات السياسية، الذين كما توقعنا قبل تشكيل هذه الحكومة، يعملون على تكريس وجودهم كثلث معطل، لكنهم بالإضافة إلى ذلك يؤسسون لأن يكونوا حكومة مصغرة بديلة عن الحكومة نفسها التي لم تتمكن منذ وصولها إلى عدن من القيام بواجباتها الدستورية والقانونية، ما اضطرها إلى الرحيل نجاة بأعضائها من مصير سيئ .
وكل ذلك كما يعلم الجميع سببه الخذلان الكبير الذي عانت منه الحكومة على المستويين السياسي والأمني والأهم على المستوى الاقتصادي من رعاة اتفاق الرياض، والمؤامرات التي لم تتوقف من جانب الإمارات، بالإضافة إلى كون رأس الحكومة نفسه من النوع الذي لديه قابلية للتعاطي مع مهددات لا يمكن التعايش معها بأي حال من الأحوال .
ولا يجب أن نغفل حقيقة أن المسؤولية الكبرى عن حالة التردي في وضعية الشرعية تعود إلى النهج المذل والمخزي والمتخاذل الذي تظهره قيادات الشرعية نفسها، خصوصاً حينما تتعمد هذه القيادات السكوت عن الأعمال العدوانية للتحالف، أو حين تضطر إلى إنكار هذه الأعمال على نحو ما صدر عن مدير مكتب الرئيس عبد العليمي الذي نفى أي تواجد عسكري للإمارات في سقطرى .
ليس لدي أدنى شك بأن السطو على المؤسسات السيادية للدولة اليمنية ليس سوى خطوة جريئة ومنسقة بشكل كامل مع دولتي التدخل العسكري في اليمن، وهدفه هو التطبيع مع التمرد والانفصال وجعله أمراً قابلاً للنقاش وخطوة مستحقة ومقبولة على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصاً أن كل ذلك يتم في ظل تحكم قيادات جنوبية بالقرار السيادي للدولة، بما لا يستبعد معه وجود خيانة من نوع ما قد تتأسس على شعور مناطقي مريض .
لم تبد السعودية وهي راعية اتفاق الرياض أية حساسية هذه المرة، ولم تكن مضطرة لاتخاذ خطوات سريعة لإعادة جمع الحكومة والمجلس الانتقالي لتلافي التطورات الخطيرة التي أقدم عليها المجلس، وفي مقدمتها العمل بكل السبل الممكنة لجعل بقاء الحكومة في العاصمة السياسية المؤقتة أمراً مستحيلاً، لتكون الخطوة التالية لخروج الحكومة هي الشروع في الملء التدريجي للفراغ، وهذه المرة عبر مصادرة المقار الرئاسية والسيادية وتحويلها إلى مرافق تابعة للمشروع الانفصالي .
صحيح أن الأنباء تشير إلى اجتماع وشيك من هذا النوع سيعقد في الرياض، لكنه يفتقد إلى الزخم وإلى وضوح في الرؤية وإلى مقاربة واقعية للعراقيل التي يعاني منها اتفاق الرياض .
إن المجلس الانتقالي والإعلام المدعوم من الإمارات، رغم قرب انعقاد وفدي اتفاق الرياض يواصل التأسيس لمرجعية هذا الاجتماع، والتي لن تقف أمام استحقاقات ملحة لم تنفذ على رأسها الشق العسكري والأمني، الذي أبقى هيمنة مليشيا الانتقالي ونفوذها في العاصمة المؤقتة حتى اليوم، بل من خلال طرح موضوع عودة الحكومة إلى عدن باعتبارها القضية .
وهذا يعني أن عدم عودة الحكومة بدون تنفيذ الشق العسكري كما تطالب السلطة الشرعية سيكون هو الخروج بذاته عن اتفاق الرياض، وليس تهرب الانتقالي من تنفيذ التزاماته المنصوص عليها في الشق العسكري والأمني من الاتفاق .
الأمور تدار بهذا القدر من الوقاحة والصفاقة، إلى حد تبدو معه الترتيبات العسكرية الإماراتية في كل من محافظة أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون المتحكمة بمضيق باب المندب؛ أمرا اعتياديا يمكن للتحالف الذي تقوده السعودية أن يوفر له غطاء جاهزاً ليبدو جزءا من مهمة التحالف للدفاع عن اليمن والشرعية، وليس تقويضاً ممنهجاً لسلطة الشرعية ونفوذها واستهدافها وجودياً للكيان القانوني للدولة اليمنية .
لم يواجه الشعب اليمني هذا القدر من الاستهداف بالأدوات الأكثر قذارة التي عرفها البشر، فهو يتعرض للحصار والتنكيل من جانب أعدائه الداخليين والخارجيين، ومع كل ذلك يبقى عرضة للاتهامات بالأخونة كما ترى السعودية، أو بصفته جيشا لا يحصى من الإرهابيين الذين يستحقون أن تقود الإمارات حلفاً منفصلاً لمحاربتهم تحت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تراهم إيران شعباً مارقاً عقائدياً يتعين ترويضه بواسطة مليشيا محلية طائفية؛ تحولت بمذهبها الزيدي (الجارودي) المتطرف إلى عتبة تطوها الأقدام الإيرانية المسكونة بهوس التشيع وفرضه على اليمنيين، بكل ما يعنيه ذلك من استهداف لكرامة الإنسان وحريته ومن انحطاط إلى مدارك الشرك والعبودية .