انتصف الليل ونام الجميع بينما خاصم النوم جفوني ، لقد اجتاحني شعور عارم بالخوف منذ أن علمت بتلك الحقيقة المرعبة ، ولو لم أعلم لكنت الآن أغط في نوم عميق مثلهم ولكني أتقلب في فراشي من الخوف ، أنفاس النائمون من حولي تنبعث رتيبة ومن بين شقوق الجدران أسمع صرير الجدجد ونباح الكلاب في طرقات القرية .
أحسدهم، ينامون بعمق واطمئنان، لهم كل الحق فهم لم يعلموا مثلي بالكارثة التي تنتظر الجميع .
قبيل النوم فتحت ذلك الكتاب الأصفر القديم وقرأت فيه ويا للهول: لقد قرأت أن الأرض معلقة على قرن ثور فإذا تحركت شعرة منه حدثت هزة في أي منطقة بالعالم ، لقد شحب وجهي وأصفر لوني وصرت ارتعد من الخوف .
قلت لنفسي: الهزات ليست كارثة كبرى الكارثة أن يتحرك الثور فتسقط الكرة الأرضية من قرنه ونذهب إلى الهاوية .!
ماذا لو تحرك الآن ؟
إلى متى سيظل هذا الثور واقف ؟ !
هل سيجوع الثور ويتحرك قريبا ؟
هل سيجوع الثور ويتحرك في الصباح ؟
تساؤلات مخيفة داهمتني وحاصرتني مثل الكوابيس المرعبة فزادت مخاوفي ، لقد أيقنت في تلك الليلة بقرب نهاية العالم فالثور سيتحرك في الصباح والكرة الأرضة المعلقة ستسقط وستحدث الكارثة .
كنت أطمح في المستقبل أن أشتري سيكل جديد لكن الثور لن يصبر علينا فأنا أعرف الثور في حوش منزلنا لا يكف عن الحركة والجعير خاصة إذا مر وقت طويل ولم يأكل أو يشرب وأحيانا يقفز من فوق الحوش ولا يقف إلا بالوادي يهجم على الزرع ويأكل حتى يشبع .
وقبيل الفجر لا أدري كيف تمكن مني النوم ؟ !
صحوت على صوت أمي تنادي الجميع بأن الفطور جاهز ووجدت أخواني قد لبسوا ويستعدون للإفطار والذهاب إلى المدرسة، ورفضت الأكل والذهاب إلى المدرسة وحين سألوني :
ـ لماذا لا تفطر أو تذهب إلى المدرسة ؟ !
فكرت أن أكذب عليهم لكنني قررت أن أعلمهم بالحقيقة وأفجر المفاجأة وليكن ما يكون ، ابتعلت ريقي وقلت :
ـ لأن الثور سيتحرك والكرة الأرضية ستسقط من قرنه
نظروا إلي بدهشة وكأنهم لم يفهموا شيئا مما قلت ولذا قررت أن أوضح لهم الأمر أكثر :
ـ الكرة الأرضية معلقة على قرن ثور ولدي احساس أن الثور سيتحرك بعد قليل والعالم سيسقط وسنذهب كلنا في الهاوية .
أخبرتهم وأجهشت بالبكاء فضجوا بالضحك ..
أبكي وهم يضحكون ..
توقفوا عن الضحك وسألوني :
ـ من ضحك عليك وقال هذا الكلام ؟
ـ قرأته في ذلك الكتاب الأصفر القديم .
قال أخي الأكبر :
ـ هذا الكتاب كله كذب وخرافات ، لا تصدق .
فرحت بما قال وبدأ الهم ينزاح من كاهلي لكني لم أقتنع تماما وحين رأى شكي اقترح علي بأن أسأل الاستاذ في المدرسة لأتأكد منه .
أخبرت المدرس بما قرأته في الكتاب فضحك وضحك جميع الطلاب في الفصل .
قال المدرس :
ـ الأرض كروية وتدور بسرعة كبيرة جدا ، تدور حول نفسها دورة كاملة كل 24 ساعة .
قال المدرس هذه الحقيقة الكبيرة التي لا يستوعبها طفل مثلي دون أن يشرح لي ويوضح :
ـ كيف تدور الأرض بسرعة بينما نراها ساكنة ؟
ـ كيف لا نشعر بهذا الدوران السريع ؟
لقد فتح لي باب جديد من التساؤلات المقلقة والهواجس المخيفة وفكرت أن أسأله إلا أنني خشيت أن يضحكوا علي من جديد .
ومر وقت طويل حتى استوعبت كيف تدور الأرض ولا نحس بهذا الدوران .