الشتاء يلفح الوجوه في القرية ببرد قارس والغبار يتطاير من الحقول التي كانت قبل أسابيع خضراء مليئة بالزروع والثمار، حتى الأشجار غدت جرداء يابسة، الآن أستراح من رعي الغنم فتركها تهيم في كل مكان تختلط بأغنام الفلاحين في الحقول ثم تعود من تلقاء نفسها عند الظهيرة لترتوي بالماء ثم تعود من جديد تبحث عن الرعي .
كان يشرف عليها بين الحين والآخر، يراقبها من الأكمة التي بجوار منزلهم والتي تطل على الوديان يتفقدها واحدة تلو أخرى ثم يعود إلى البيت .
غدا أول أيام عيد الأضحى ، تناول الغداء ثم مضغ القات الفاخر في المقيل الذي أجتمع فيه الجميع وعند المساء كان عليه جمع الأغنام وتفقدها ولاحظ غياب احدى أغنامه ، أعاد تفقدها من جديد ثم تأكد فعلا من غيابها ، راودته المخاوف فخرج يبحث عنها في بيوت القرية .
كانت نشوة القات قد نقلته إلى عالم آخر ، يرفع رأسه إلى السماء فيرى نجومها تتصارع ، يفرك عينيه ثم يعيد النظر إلى السماء فيرى الحرب مشتعلة بين النجوم ، وعلى ضوء القمر فوجئ بأن أحدهم قد ترصد طريقه ، يقف فيقف بمحاذاته وحين يمضي يسير بمحاذاته ، تسارعت دقات قلبه وزاد عرقه وارتبك حيال هذا الشخص المترصد له ، حاول مرارا الوقوف وأفسح له الطريق لكي يمضي لكنه أصر أن يمضي إذا مضى ويقف إذا وقف ، هدده وأنذره ولكنه كان أيضا يهدد ويتوعد دون أن يسمع كلامه ، ربما هو أخرس ، ربما يريد ان يغيظه بتقليد حركاته دون صوت ، لم يعد يحتمل فوجه إليه عدة ضربات بعصاه لكنه لم يتألم ولم يدافع عن نفسه بل واصل محاذاته وكأن شيء لم يكن .!
قرر أن لا يضيع وقته مع هذا المترصد له فمضى وتركه يلاصقه .
ذهب إلى أول بيت وما أن أقترب منها حتى نبح الكلب ، فنادى عليهم وأخبرهم أنه يبحث عن رصاصة ضائعة وطلب منهم أن يبحثوا عنها في بنادقهم .
ـ رصاصة ؟!!
ـ نعم رصاصة خرجت إلى الوادي ولم تعد
ـ كيف رصاصة خرجت ولم تعد ؟!!
ـ خرجت ترتعي مع الغنم ولم ترجع
ــ تقصد خروف ضائعة ؟!
ـ نعم
ـ لا لم تأت خروف مع أغنامنا .
وهكذا مر على الكثير من البيوت، أقتحم عليهم سمرهم واستعداداتهم للعيد، يسألهم عن الرصاصة الضائعة فيبدون دهشتهم وبعد سؤال وجواب يكتشفون أنه يبحث عن خروف، يتركهم يضحكون ويواصل البحث عن الرصاصة الضائعة .!
الحرب بين النجوم ما تزال مشتعلة وشخص حاقد يلاصقه وهو يواصل البحث عن الخروف ويخوض الصراع الشرس مع الكلاب الرابضة بجوار البيوت والنقاش الحاد مع أهالي القرية بعد أن قطع عليهم سمرهم وأضفى عليه لمسة من المرح .
واصل البحث حتى وجد الخروف الضائعة فأمسكها من أذنها وجرها على ضوء الكشاف حتى أدخلها ديمة الغنم ثم عاد وواصل سمره إلى منتصف الليل ثم نام .
وفي اليوم الثاني وفي مصلى العيد كان الكل يسأله عن مصير « الرصاصة الضائعة « ، لقد صارت القصة أضحوكة العيد في القرية ، كل من يراه يضحك ويذكره بقصة الرصاصة الضائعة فينكرها وكأنه لم يكن يبحث عنها البارحة .!
ضحك مما فعله لكنه ظل لفترة يسأل نفسه: ترى من يكون ذلك الشخص الذي رافقني طوال الطريق رغم أنني هددته وتوعدته وضربته لكنه ظل يرافقني رغما عني ؟!