لم يحظ رئيس بما حظي به الرئيس عبد ربه منصور هادي من إجماع حول منصبه ودوره وحرصٍ على استمراره في قيادة الدولة خلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخ اليمن، ولم يعرض رئيس شعبه لخيبة الأمل والإحباط والإحساس بالخذلان وللشعور الحقيقي بأنه يتعرض للخيانة من قيادته، أكثر من هذا الرئيس.
منذ 2018 عمل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في القلب منه على تأسيس قوة تمرد كاملة التسليح في المحافظة الجنوبية وأطلق يدها في العاصمة السياسية المؤقتة وفي بقية المحافظات الجنوبية، وساندها في جولتي حرب انتهت الأخيرة منها بطرد الحكومة نهائياً لتلحق بالرئيس المهاجر في الرياض دون أمل في العودة.
واليوم خرج الناس في عدن وحضرموت ضداً على الوضع البائس الذي خلفته القوى المنفلتة وفي مقدمتها المجلس الانتقالي وداعموه الإقليميون، وكان يفترض أن يثبت الرئيس هادي هذه المرة أنه لا يزال على قيد الحياة السياسية وأن بإمكانه أن يشعر اليمنيين بوجوده كرئيس يتحمل أمانة المسؤولية.
إنه يصمت ويهدر فرصة أخرى من الفرص الكثيرة المهدرة التي أتيحت لسلطته، مع أن بإمكانه بالفعل أن يسدد الضربة القاضية للمتمردين الجدد في جنوب البلاد، خصوصاً أن الشعب اليمني هناك، خرج بكامل إراداته ليعبر عن رفضه المطلق للمجلس الانتقالي ولميلشياته المسلحة ويطالب بإعادة فرض القانون واستعادة الحقوق المعيشية المسلوبة.
لم يتحدث هذا الرئيس ولم يصدر عنه أي موقف حتى الآن ولا عن نائبه أو رئيس وزرائه أو قادته أو أي من وزراء الحكومة ومسؤوليها.. إن هذا السلوك السيئ الذي يغلب عليه عدم الاكتراث أو التواطؤ والذي سبق وأن لمسناه في مواقف معظم هذه القيادات خلال تنفيذ الانقلاب الأول على يد الحوثيين وشريكهم علي عبد الله صالح، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمن يتعرض لأكبر تهديد وجودي بسبب الغياب المتعمد لسلطته الشرعية وانسحابها وتقاعسها عن القيام بواجباتها.
قد يقول قائل وماذا عن التهديد الآتي من التحالف والقوى التخريبية المرتبطة به، وتلك التي تأتي من الحوثيين ومن ورائهم إيران، الرد بوضوح إن معظم المكاسب التي أحرزها هؤلاء كانت بإمضاء الرئيس هادي أو تقاعسه أو تواطئه.
ولست بحاجة إلى دليل لأثبت لكم أن الحوثيين لم يسقطوا صنعاء بقوتهم، بل بخيانة القائمين عليها والتي تجلت في اتفاق السلم والشراكة الذي أشرف على توقيعها هذا الرئيس في دار الرئاسة بصنعاء في مساء يوم الانقلاب على الدولة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وانظروا كيف ينتحر الحوثيون اليوم على أسوار مأرب، لو كانوا بتلك القوة التي تبرر سقوط صنعاء بهذه السهولة، لكانوا وصلوا إلى مدينة مأرب وأسقطوها منذ أن بدأوا هجومهم الإجرامي والشامل عليها أوائل العام 2021، والسنوات التي سبقت هذا التاريخ.
ولست بحاجة لأثبت لكم أن السعودية ما كان لها أن تنشر قواتها في محافظة أرخبيل سقطرى وبصورة أكبر في محافظة المهرة دون موافقة الرئيس وتغطيته وخذلانه للقوى المحلية المناهضة لهذا الانتشار.
لقد قدم المحتجون في عدن والمكلا الدماء والجرحى والتضحيات وعبروا عن إصرار منقطع النظير على مواجهة الفوضى والعصابات المنفلتة التي تسيطر على القرار أو تتحكم به عن بعد، ويقينهم أن بلدهم لن تستقر مع وجود هذه العصابات وغياب الدولة.
وأنني أخشى ما أخشاه أن تنتهي هذه المواجهات والاحتجاجات والتضحيات إلى نتائج مخيبة للآمال، إذا استمر الرئيس هادي وسلطته وحكومته في خذلان الشعب، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى أن تتحول هذه الهبة الجماهيرية إلى مجرد دورة عنف سينتصر فيها سلوك الطغاة المجرمون الذين أثبوا خلال السنوات الماضية أنهم أدوات قتل مأجورة للأجندات الإقليمية وأنهم غير مرتبطين بالمشروع الانفصالي إلا بالقدر الذي يريده لهم المتحكمون الخارجيون.