إذا ما دخلت المليشيات الحوثية مأرب - وهذا أمر مستبعد - فهل يظن السذج أن المليشيات ستكتفي بسيطرتها على حقول النفط والغاز؟
كلا، إذا ما سيطرت الجماعة الفاشية على مأرب فإنها ستواصل مسيرتها " القربانية " ناحية شبوة وحضرموت، وستزيدها منابع الذهب الأسود المزيد من الطاقة والحماسة كيما تلتهم بقية مساحة اليمن .
حين استولوا على العاصمة صنعاء كان ذلك باسم إسقاط الحكومة وتحت راية الثورة ضدًا على ثورة سُرقت وجرعة أُعلنت؛ الساخطون خُدعوا، والمؤيدون خُذلوا، أدركوا ذلك، ولكن بعيد أن سبق السيف العذل ..
فلم تحارب الجماعة كي تصحح مسار نظام جمهوري، وإنما لاستبدال حُكم عائلة وقبيلة ومنطقة وحزب بحُكم عائلة وسلالة ومذهب وتمايز طبقي مقيت .
كما ولم تزحف الجماعة من مران بصعدة إلى عمران وصنعاء كي تثأر من قتلة شقيق عبد الملك " حسين" أو كي تستأثر بالقصر الجمهوري ومعسكرات ومخازن السلاح فحسب، بل من أجل أن تثأر لدم الحسين من معاوية - الإثنين ليس من أهل اليمن - ومن أجل أن تحكم اليمن والإقليم .
قلنا مرارًا أن الحوثية حركة عنصرية لا تختلف عن الفاشية أو النازية أو الصهيونية، فهي وإن تدثرت زورًا وبهتانًا باسم الجمهورية والنظام والدستور، ستبقى مثل أي جماعة أو حركة دينية شوفينية باعثها ومحركها " الحق الإلهي " في الحكم والاستعباد الطبقي .
سأقول لكم وبصدق: لن تعود من مأرب إلى صنعاء، وستبقى أكثر مما تتصوروا، ولقد رأينا كيف فعلت بعد سيطرتها على العاصمة والسلطة، وستفعل إذا ما تمكنت من السيطرة على مأرب .
ولا يعني في كل الأحوال أن الجماعة الحوثية صارت قوية ولديها قدرات خارقة، فعلى العكس من ذلك، فسبب طغيانها وبقائها كل هذه الأعوام نتاج لضعف وفشل السلطة الشرعية وحلفائها، فإدارة الحرب يستلزمها قادة أقوياء وإرادة وفعل من نوع آخر .
نعم، فشل ذريع وغير مسبوق في تاريخ اليمن القديم والحديث، فيكفي أن تنظروا لحال المحافظات المحررة أو لرئيس البلد السائح في فندق "نارسيس " بالرياض، منذ سبعة أعوام .
تأملوا جيدا في واقع جبهتنا التي يفترض أنها موحدة وقوية، وتأملوا كيف تدار عدن وأخواتها، وأين رئيسنا وماذا يفعل في الرياض ولماذا لا يعود إلى عدن أو حضرموت أو مأرب؟
وتأملوا كيف حال جيشنا ومقاومتنا ولماذا الحلفاء لا يريدون جيشًا أو مقاومة وطنية ويفضلون إنفاق ملايين الدولارات على قادة انتهازيين فاسدين وعلى مليشيات غير مؤهلة أو مدربة أو منظمة أو خاضعة لسلطة او حكومة .
كما وتأملوا كثافة الغارات الجوية اليومية وكيف أنها لم تردع الحوثيين أو تسهم في تحرير هنا أو هناك، فمنذ تحرير عدن وجوارها، وكذا تحرير المخا ومناطق من الحديدة، لم تتحقق بعدها انتصارات ذات قيمة وأهمية بسبب العبث الحاصل في مجريات الحرب .
فما من انتصار سيتحقق دون تنظيم ودون تخطيط ودون وجود قوة عسكرية برية يمكنها الاستفادة من هذه الضربات الجوية، ونتيجة للانشغال في معارك ثانوية عبثية كان ولابد أن تهاجم المليشيات، وترسل طيرانها وصواريخها إلى مسافات لم تكن بحسبان أكثر المتشائمين؟ .
وإذا ما تأملنا جميعًا في مجمل الصورة، فإننا سندرك مأساة اليمنيين من ذاتهم ومن جيرانهم وكيف أن جماعة لاهوتية سلالية أقلية تمادت وتضخمت ولحد أنها ضابطة لشؤون اقتصادها وإدارتها ولا تتورع من مهاجمة الجميع شرعية واتباع وحلفاء ومناوئين .
الحقيقة المؤلمة أن المليشيات الحوثية هُزمت وهي في أوج قوتها وتسلحها، وما نراه الآن ليس مقياسًا لقوتها وقدراتها وإنما هو دلالة صارخة لفشل الشرعية والتحالف في إدارة الحرب، فصارت لعنة وعار عليهما وعلينا، وصدق نابليون بونابرت حين قال: مئة حمار يقودهم أسد خير من مئة أسد يقودهم حمار ".