لا يكاد المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ يتوقف عن المطالبة بانتظام الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء الدولي وتسهيل وصول الوقود إلى ميناء الحديدة، خلال تصريحاته التي يدلي وآخرها تلك التي أطلقها خلال جولته الأحدث إلى المنطقة والتي يقال إن المبعوث الأمريكي يركز فيها على وقف الهجوم الحوثي على مدينة مأرب .
في الحقيقة تبدو مواقف المبعوث الأمريكي تقليدية ومكررة ومملة، تماماً كتحركاته التي زادت من وطأة الشعور بخيبة الأمل في القوة العظمى التي تنجز مقاربتها للحرب في اليمن انطلاقاً من التصور المهترئ حول العنف في اليمن الذي لا تراه واشنطن سوى بعدسات "الدرونز" وهي تلاحق سيارات المشتبه بانتمائهم لما يسمى بـ: تنظيم القاعدة، وتتجاهل الأرتال والمعدات القتالية للحوثيين وهي تتحرك صوب أكبر تجمع سكاني في محافظة مأرب مهددة ملايين السكان المدنيين، بالإضافة إلى الصواريخ والقذائف التي تطلقها الجماعة الحوثية الإرهابية على المدن والأحياء السكنية في مأرب وتعز والحديدة متسببة في مقتل العشرات من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء .
كيف يستقيم المنطق الأمريكي في ظل هذه التناقضات، في الخطاب، إذ تشتد الضغوطات على الحكومة والتحالف من أجل استمرار تدفق المشتقات النفطية لميناء الحديدة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين من أجل مساعدتهم على تأسيس اقتصاد موازي وتكوين رأسمال وتشغيل آلتهم العسكرية لتستمر في قتال اليمنيين في مارب وتعز والحديدة، وبالإضافة إلى ذلك يريدون أن يفتحوا منفذا آخر هو مطار صنعاء الدولي على مصراعيه لتأمين مصادر جديدة للدعم العسكري واللوجستي وتثبيت الكيان المعنوي لسلطة الأمر الواقع .
اضطرت السعودية لأن تطلق في مارس/ آذار الماضي، مبادرة لوقف إطلاق النار في استجابة حصرية للضغوطات الأمريكية التي تزايدت بعد مجيئ الرئيس جو بايدن إلى السلطة، معتقدة أن ذلك وحده يكفي للتحلل من هذه الضغوط التي ستستمر في تقديري حتى تضطر الرياض إلى الاستسلام غير المستحق في اليمن، وهو أمر يمكن تفاديه بالتراجع عن سياسة التجريف المتواصل للإمكانيات العسكرية المتاحة
للجيش الوطني وعدم تعريضه للضغط العسكري الحوثي وإطلاق موارد الدولة اليمنية لتتمكن من التصدي للحوثيين المدعومين من إيران إذا افترضنا أن طهران لاتزال عدوة حقيقية للرياض .
يبدو المبعوث الأمريكي مسترخياً ومستفيداً ربما من مهمة مربحة مالياً ولا تتطلب منه سوى تكرار العبارات ذاتها والمطالب نفسها، والالتقاء بذات المسؤولين الإقليميين، ومسؤولي الشرعية المتخشبين، فيما تتحرك الأمور ميدانياً فارضة منطقاً آخرا ومساراً آخرا للأحداث قد لا يكون لأي تحرك سياسي بإزاء معنى خلال المرحلة المقبلة .
لا يظهر المبعوث الأمريكي قلقاً، ولا هو في عجلة من أمره، فيما يخص التهديدات التي تطال مدينة مأرب وسكانها الذين يصل عددهم إلى الملايين معظمهم وفدوا إليها من مناطق مشتعلة بالحرب أو فراراً بكرامتهم، فهو كما بلده يرى هذا التجمع السكاني الكبير بمدينة مأرب يقف في الجهة المقابلة للحوثيين الذين أُطلقوا في صيف العام 2014 ككلاب مسعورة ضد الشعب اليمني في إطار تحالف خفي لكسر الأغلبية من سكان اليمن، لكن بذريعة لعينة هي "مكافحة الإرهاب ".
الرهان في تقديري اليوم ينعقد على عزم الرجال المدافعين عن مأرب، وعلى التحصينات المفترضة التي يتوجب أن تتحول معها المساحة الاستراتيجية المتبقية من مأرب إلى غزة جديدة، بكل ما تجسده من صمود يصل حد الإعجاز في محيط من الأعداء والمتربصين والمتآمرين والخونة .
إيران تشهر سيفها وتقاتل في اليمن دون مواربة، فيما تواصل الرياض دعم الأدوات الإيرانية في العراق كالتيار الصدري ضناً منها أن ذلك قد يؤسس نموذجاً يمكن تكراره في اليمن، حيث لا يقتضي الأمر أكثر من استئناس الكائنات الشيعية الإيرانية المتوحشة وتعريبها، وحيث يبقى هدف السعودية أن تقضي على أعداء إيران الذين تسميهم "الإرهابيين" و"الإخوان" و "الخوارج"، إلى غير ذلك من النعوت المقيتة، لتؤكد بالفعل أنها ماضية كما قال أحد السياسيين التونسيين المحترمين: في قطع الفرع الذي تجلس عليه من الشجرة .