مشكلة السعودية أنها وحيثما تدخلت يكون الفشل حليفها، حدث ذلك في أكثر من بلد، في أفغانستان، العراق، ليبيا، سوريا، لبنان، وليس أخيرًا قطر، اليمن ..
لديها ثروة هائلة ولكنها لا تمتلك دولة قوية وراسخة، كما وليس لها أدنى فكرة بما فعلته أو ستفعله. والأخطر في المسألة أنها ماضية في دربها، وبعناد وخيلاء لا نظير له .
ليس لدينا مشكلة ناحية أن تكون السعودية ملكية من أي نوع؛ مطلقة، دستورية، ديمقراطية، ثيوقراطية، لكنها وبالمقابل لا تريد أن تكون هناك جمهورية عربية وديمقراطية في اليمن أو العراق أو مصر أو لبنان أو ليبيا أو أو الخ .
حالة الاضطراب هذه في ذهنية الحاكم المُطلق في السعودية، ترتب عنها نتائج كارثية ومأساوية على الدولة السعودية، وعلى نظامها، وعلى جيرانها، وعلى أشقائها، وعلى وجودها كدولة نفطية غنية ولا تمتلك جيشًا قويًا منظمًا وفي الوقت الذي تحتفي فيه قريبًا بمئوية تأسيسها على يد الملك الراحل عبد العزيز .
معضلة الشقيقة أنها لم ترتق لمصاف الدولة العصرية، وعلى ما توافر لها من ثروة وامكانيات وقدرات تتعدى ما تملكه الصين واليابان وكوريا وإيران والهند ..
لا توجد دولة تحترم ذاتها دون قوة نظام ورؤية وغاية، كما ولا تتدخل دولة قوية في شؤون دولة شقيقة أو عدوه دون أن يكون لديها ثمة فكرة سياسية لما تريده هنا أو هناك ..
السعودية تدخلت في اليمن وكان يعني هذا الكثير لليمنيين لو أنها احسنت استغلاله، ولكن كيف لها فعل ذلك وهي لا تملك أدنى فكرة لماهية تدخلها؟ .
حسنًا، وعلى افتراض أنها تدعم فكرة استعادة الدولة والسلطة الشرعية فهل فعلها يوازي التزامها السياسي والأخلاقي؟ وإذا كانت غرقت في حرب تجهل منتهاها فهل ما تقوم به ما يثبت أنها تود مغادرة اليمن اليوم قبل الغد؟ .
وإذا كانت في مهمة مغايرة هدفها تفتيت وتمزيق اليمن، بحيث يسهل عليها إعادة تشكيله، فهل حقًا فعلها يؤكد أنها ماضية لتحقيق هذه الغاية العبثية على ما فيها من خطر يهدد وجودها واستقرارها؟ .
الحقيقة أن المتابع للحالة اليمنية سيصاب بالحيرة واليأس، سيكتشف أن التحالف العربي الذي تقوده وتدعمه السعودية ليس له من هدف أو تكتيك أو استراتيجية أو غاية وطنية أو قومية أو دينية .
فكل هذه الأشياء يتوجب لها قناعات سياسية وفكرية، والشقيقة الكبيرة للأسف ليس لها مثل هذه الأهداف أو الخيارات أو حتى البدائل، بل كشفت أعوام الحرب أنها تبنى معتقدها وفق المزاج والهواجس والظنون وليس بناء على خيارات وغايات سياسية ..
إنَّها لا تريد دولة يمنية أو حتى دويلات يمنية مستقرة وذات سيادة، هذه معضلة السعودية ماضيًا وحاضرًا، ولهذا لا عجب أن دعمت مشايخ دين وقبيلة وان غذت مليشيات مسلحة خارجة عن الدولة .
كنت التقيت وزراء وقادة سياسيين وعسكريين، ولكم هالني ما سمعته، أحدهم أخبرني أنه مكث شهرين كيما يلتقي بنظيره الوزير أو الأمير، وفي الوقت الذي يمكن لشيخ قبيلة أو شيخ مدرسة دينية لقاء الملك أو ولي عهده وفي ظرفية ايام وجيزة .
ما هذه المهزلة؟ وكيف سيتم حسم المعركة إذا ما كانت الدولة القائدة للتحالف لا تتعاطى مع حلفائها بمنطق الدولة وأدواتها ومصالحها وسيادتها؟
نعم المال عصب أي حرب، ولكنه في غياب الدولة، وفقدان القوة المنظمة، وضياع الهدف والغاية؛ يصير عبئًا ثقيلًا ومنهكًا وقاتلًا لصاحبه .
معضلة الشقيقة أنها لم تحرز نصرًا عسكريًا أو سياسيًا، وكان يمكنها التصالح مع مثالب اخفاقها أو انحيازاتها الضارة بجيرانها واشقائها، لكنها لا تريد أو الصحيح أنها غير قادرة على مبارحة فكرة السلطة الإقطاعية الريعية البيروقراطية .
لاحظوا أن حرب الخليج الأولى والثانية كانت خاطفة ومساهمة السعودية فيها لوجستية ومالية ، باستثناء ذلك كانت أمريكا وتحالفها صاحبة القرار والخيار ، فانتهت المعركتين وفي أمد قصير .
لو تذكروا أن أمريكا تدخلت في البلقان في عهد الرئيس كلينتون ، أرسلت الطائرات وقوات المارينز ، لكنها وما أن توقفت غارات طيرانها وشرعت قواتها البرية في السيطرة على الأرض إلَّا ووجدت ذاتها في ورطة ، استدعت فيها حليفتها بريطانيا لمساعدتها ، وهو بالضبط ما تم .
فلا يعني امتلاكك القوة أن بمقدورك السيطرة على واقع تجهله تمامًا ، فأمريكا وعلى عظمتها ليس لديها الخلفية الاستعمارية ، وبعكس بريطانيا ذات التجربة الاستعمارية ، وما حصل في البلقان تكرر في العراق والصومال ..
السعودية وعلى ما تملكه من ثروة وقدرات مالية ، معضلتها الأساسية أنها بلا رؤية واضحة ومحددة حيال جل المشكلات والأزمات الداخلية أو الخارجية .
ما يحدث في اليمن لأكبر دليل وبرهان على غياب الرؤية السياسية ، ودون رؤية سياسية يستحيل أن تحقق انتصارًا في معركة ، فالحرب في المنتهى أداة سياسية ووجهًا لها .
فبرغم تأكيدها على المرجعيات الثلاث إلَّا أن الممارسة الواقعية لا تشيء بوجود غاية سياسية ، بل والعكس أغلب الأفعال تشير إلى افتعال معارك ثانوية ، وإلى دعم كيانات مسلحة مليشاوية ، وعلى حساب المعركة الرئيسة وتعديًا على الدولة وعلى جيشها النظامي وعلى سيادتها ..
لأول مرة في التاريخ العسكري يكون التدخل العسكري لمصلحة الطرف الخصم ، فبدلًا من تحرير اليمن من مليشيات سلالية كهنوتية صار التحالف يعمل جاهدًا - رغبة أو بلا مشيئة - لدفع اليمنيين إلى أحضان خصمهم اللدود .
فهل من العقل والمنطق أن تذهب القوات السعودية إلى مساحات بعيدة في حضرموت والمهرة وشبوة بينما الجماعة الحوثية تقع على تخوم حدودها وكل يوم ترسل الصواريخ والطائرات المسيرة؟
وكيف أن الريال السعودي ينفق وببذخ لجماعات وجبهات لا تؤسس لنظام أو لدولة وإنما لفوضى واضطراب وتفكك وإضعاف؟ وكيف سيتم حسم الحرب إذا كان الواقع يؤكد بتعدد الجبهات والقادة والقرار؟ .
وإذا كان الحليف الرئيس والداعم الأول لا يدري أين موضعه في المعركة الحربية كما ويسخر جهده العسكري في نواحي ثانوية؛ فلماذا يلام اليمنيين المناوئين لانقلاب الجماعة الحوثية بالإخفاق والخذلان؟
سبعة أعوام وكان بمقدور القادة السعوديين تصحيح المسار، وهم بكل تأكيد قادرون لتوحيد الجبهات في جبهة واحدة، لكن أفعالهم لا توحي غير أنهم تدخلوا في حرب لا يدركون ماهية غايتها، كما ويجهلون منتهاها ..