عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م، وقفت مصر بقوة مع الثوار والجمهورية الوليدة في حربها ضد الملكية، لكنّها بالمقابل اختطفت القرار السياسي اليمني. كان الرئيس السلال يمكث لأشهر في القاهرة، فيما قائد القوات المصرية في اليمن، اللواء طلعت حسن، هو من يدير الأمور في صنعاء، وهو وضع يشبه الدور السعودي في اليمن حاليا، حيث يقوم السفير السعودي، آل جابر، بمهام السلطات اليمنية . وصل الأمر بالقاهرة إلى أن اعتقلت الحكومة اليمنية في 19 سبتمبر/ أيلول 1966 م، ولأكثر من عام !
اليوم يطالب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بدور مصري لإحلال السلام في اليمن، حيث قام بزيارة للقاهرة في 22 نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، التقى فيها وزير خارجية مصر، سامح شكري، وطالب مصر بأن تقوم -خلال الفترة المقبلة- بدور يُسهم في حل الأزمة السياسية في اليمن .
كما طالب رئيس مجلس الشورى، الدكتور أحمد بن دغر، ونائب رئيس البرلمان، عبد العزيز جباري، في البيان الذي أصدراه في 30 نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، بجهد مصري لإحلال السلام في اليمن .
فهل ستستجيب مصر لهذه المطالب، وتقوم بدور في إحلال السلام في اليمن؟
وهل سيساهم الدور المصري ـ في حال حدوثه ـ بإحلال السلام أم سيزيد من تعقيد المشهد اليمني وخلط الأوراق فيه؟
وماذا عن اللقاءات المصرية بقيادات من الحوثيين مؤخراً؟
تساؤلات سنجيب عنها في هذا التحليل :
- غياب الدور المصري في اليمن
منذ انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1967م، ظلت اليمن ساحة نفوذ سعودية، وتقلّص الدور المصري المؤثر في اليمن، كما ساهمت حربا 1967م و1973م ضد إسرائيل في تراجع الدور المصري الإقليمي، خاصة مع غياب قيادات مصرية تتطلّع إلى لعب دور عربي وعالمي، مثل الرئيس جمال عبد الناصر، إضافة إلى أن الخسائر البشرية والمادية لمصر في حرب اليمن جعلت السلطات المصرية تفكّر كثيرا في أي دور عسكري جديد خارج حدودها .
ظل الدور المصري مسانداً للدور السعودي في اليمن، ولم ترغب القاهرة بالقيام بأي دور في اليمن خارج سياق الدور السعودي، وذلك لأن مصر لا تريد لعب أي دور في اليمن على حساب مصالحها الكبيرة مع السعودية والإمارات، وبناءً عليه فقد وقفت مصر مع السعودية في التحالف العربي وتدخلّه العسكري في اليمن في 26 مارس/ آذار 2015م بمشاركة عسكرية رمزية جداً، وبدعم لوجستي، وظلت تتبنّى مواقف التحالف السعودي- الإماراتي في اليمن، ولذا لم تفتح مصر قناة تواصل مع الحوثيين إلا بعد أشهر من المحادثات السعودية - الإيرانية، التي بدأت في أبريل/ نيسان 2021م، حيث استقبلت القاهرة في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وفداً من قيادات الحوثيين .
وفي اللقاء ـ بحسب "العربي الجديد" ـ أجريت مباحثات بشأن تصاعد الهجمات الحوثية الأخيرة على المناطق السعودية عبر الطائرات المسيّرة، ومدى إمكانية التوصل إلى حل سياسي يُنهي الأزمة اليمنية، وتأمين حركة الملاحة في مضيق باب المندب، الذي يرتبط بشكل مباشر بحركة الملاحة الدولية في قناة السويس .
- إحلال السلام أم تعقيد المشهد اليمني؟
لم يصدر من القاهرة مؤخراً ما يشير إلى أنها قد تلعب دوراً محورياً في اليمن خلال الفترة القادمة، حتى الزيارة التي قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن (غروندبرغ) إلى القاهرة، التي أكد فيها تطلّعه إلى العمل مع القاهرة خلال المرحلة المقبلة، لما يُسهم في حل الأزمة اليمنية، لم تثمر عن موقف مصري جديد يشير إلى أنها ستقوم بدور قادم في اليمن. حيث جددت القاهرة مواقفها الدائمة والمؤكدة على دعم وحدة اليمن وأمنه واستقراره، ورفضها لاستخدام الأراضي اليمنية كمنصة لتهديد أمن السعودية أو أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر .
ومنذ صدور بيان الدكتور أحمد بن دغر وجباري . لم يصدر عن السلطات المصرية موقف يؤكد تفاعلها الإيجابي مع دعوات بن دغر وجباري. فلم تعلق القاهرة على هذه الدعوات، والمطالبات، خاصة وأن الموقف السعودي يرى في مثل هذه البيانات تهديدا لدوره في اليمن، حيث هاجمت الصحف السعودية البيان بقوة. وبناءً عليه، فمن المستبعد أن تتفاعل مصر مع مثل هذا البيان، وأن تخرج سياستها عن سياسة السعودية في هذا المجال .
تؤكد كل المؤشرات أن مخاوف مصر من الأحداث في اليمن تنحصر في حدوث أي تهديد حوثي للملاحة البحرية في باب المندب، ومن نقل تقنية الطائرات المسيّرة إلى الجماعات المسلحة في سيناء، ولذا فالقاهرة تعاملت ببرجماتية للحفاظ على مصالحها، ففتحت قنوات للتواصل مع الحوثيين لتأمين حركة الملاحة في مضيق " باب المندب"، وضمان عدم وصول تقنية الطائرات المسيّرة إلى المسلحين في سيناء .
- تأصل العقدة اليزنية لدى الساسة اليمنيين
من الإشكاليات التي تضاعف من معاناة اليمنيين أن "العقدة اليزنية" لا تزال متأصلة لدى النخب اليمنية، فمنذ استعانة سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الأحباش من اليمن، وذلك في 570م، وما أعقب ذلك الدعم من احتلال فارسي لليمن، منذ ذلك الحين والسياسي اليمني لديه قناعة بأن حل مشاكل اليمن هو في الاستعانة بالخارج .
ورغم التداعيات الكارثية للتدخل العسكري للتحالف في اليمن إلا أن القوى والشخصيات اليمنية المحسوبة على الشرعية ما تزال تشيد بالتحالف ودوره، وتطالب باستمرار دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة رغم سلبيته .
السياسي اليمني يعاني من التخبّط والتيه، وتنعدم لديه الخيارات الصحيحة، ولا يتوجّه نحو الشعب اليمني في سبيل البحث عن الحلول لأزمات اليمن ومشاكله، رغم إدراكه أن الدول العربية وغيرها لديها أجندتها ومصالحها، ولن تتدخل في اليمن إلا وفق مصالحها وأجندتها، ولعلّ في استدعاء مصر للتدخل في الشأن اليمني الآن نموذجا لما نشير إليه. فمصر لن تقوم بدور قادم في اليمن يتجاوز السعودية والإمارات أو يتجاوز مصالحها في تأمين الملاحة البحرية في مضيق " باب المندب ".
* نقلاً عن موقع قناة بلقيس