عند منعرج الرمل المنحدر باتجاه صَيْهَد ...
عند ملتقى البحرين ...
عند المنحنى الواصل بين عامين، في ليلة رأس السنة ...
كنت انتظر الراعية ...
أرقب الشموس والنجوم والموج وحركة الوقت وذرات الرمال ...
أمنِّي النفس بخروجها من بريق نجمة أو شعاع شمس أو ذرة رمل أو ومضة طيف أو موجة نافرة أو لفتة زمن شارد ...
وجاءت ...
نهضتُ لأقبل يديها ...
قالت: ليس بعد ...
أنت من "هنا" وأنا من "هناك"، ووقتي غير وقتك ...
ومضى وقتٌ من ذهول، قبل أن أفيق وأقول: لقد أطلتِ الغياب يا سيدة المراعي !
قالت: بل أنت من غاب .
أخذك شيء ما عن مجالس العاشقين .
أضافت: كنت أبعث لك بإشاراتي مع الأنواء، لكنك لم تكن تفهم، لأن روحك في ضباب كثيف ...
قلت: سامحيني، انغمستُ في صراعات عبس وذبيان يا سيدة الرمال .
ولكني الليلة هربتُ من بكر وتغلب، لألقاك هنا، على حافة المكان المنسرب بين كثيبين، والزمن المنعرج بين عامين .
قالت: تهيأ للقاء ...
يا الله ...!
حلقتْ طيورٌ كثيرة بين جنبيَّ ...
ما كل هذا الموج المتدفق من الحبور الأبدي ...!
ما كل هذه الدهشة المتوهجة الليلةَ كقناديلَ مشتعلةٍ في فضاء أسطوري...! ونهضتُ إليها ...
قالت: لا، ليس بعد ...
وتجمَّد شيء داخلي يشبه موجات الحزن الكثيف ...
واستدركتْ قائلة: ولكني الليلة قد هيأتُ لك مجلساً عند الكثيب الأحمر ...
ستلقى الأحبة ...
وسرى بين الكثبان هسيسُ ريح رددتْ صدى صوت الرومي وهو يقول: طرق كثيرة تؤدي إلى الله، أقربها طريق الحب ...
وفجأة، خرجتْ رابعة العدوية من مقام صوفي، وأخذت تغني عند طرف التلة :
فليتك تحلوْ والحياة مريرةٌ
وليتك ترضى والأنام غضابُ
أما ابن الملوح فظهر في مشهد خاطف يقبل جدار الوقت، ويلوذ بالخيام ...
أبو العلاء المعري قرأ طرفاً من "رسالة الغفران "...
دانتي أليجيري جاء ومعه "الكوميديا الإلهية "...
وانكمش جون ملتون في الزاوية، متأبطاً "الفردوس المفقود"، وهو يراقب حركات المريدين .
وجاء الدراويش ...
وجاءت كيميا ...
وأقبل زوربا الإغريقي المجنون ...
وتألق وجه الراعية حتى امتلأ الأفق بذبذبات خفيَّة ...
وبدأ الدراويش الرقصة الدائرية ...
ودار جلال الدين دورته الشهيرة ...
ودارت الرمال ...
دارت النجوم والأفلاك ...
دار الزمان والمكان ...
ودارت الكأس التي قال فيها ابن الفارض :
شربنا على ذكر الحبيب مُدامةً
سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرْمُ
وطوَّحَنا العشق ...
وأخذتنا الجذبة ...
ورأيت الراعية في كبد الأفق ...
تشير بعصاها جهة الشرق، وتلوَّح بيدها، كأنما تعطي إشارة لا يفهمها إلا الرعاة ورجال الصحراء ...
ولما انتصف الليل طلعت شمس عظيمة ...
وغابت المرائي كلها ...
وصعد الدراويش للسماء ...
واستدار الزمان ...
وبدا وجه الراعية كأجمل ما تكون المرائي ...
فرأيت ...
وكان عهداً على من رأى ألا يبوح ..