قصة قصيرة 

عندما دعاني للغداء في منزله في ذلك وافقته على الفور فمنذ دخولي السعودية لأداء العمرة كنت أتشوق لزيارة هذا الأكاديمي السعودي المعروف واللقاء به وجها لوجه بعد سنوات من التواصل عبر الفيسبوك، أعطيته عنوان الفندق ورقم هاتفي السعودي المؤقت وانتظرت اللقاء في اليوم المحدد .

مرت الأيام بطيئة وأنا بانتظار لقاءه وفي ذلك اليوم لبست أفضل ثيابي وبقيت انتظر اتصاله وجاء سائقه إلى الفندق وذهبنا إلى منزل الدكتور، رحب بي كثيرا وبقينا نتحدث وبعد الغداء طلب مني الخروج معه إلى مكان هادئ لأنه يريد رأيي في أمر هام جدا، أخذ المفتاح من سائقه فهو سيقود السيارة بنفسه لنكون على راحتنا في الحديث .

وافقته، فأضاف :

ـ هذا الأمر إن نجح سيكون له أكبر الأثر في حاضر الأمة ومستقبلها .

  قلت في نفسي : الموضوع أكبر مما أتصور ويبدو أن الدكتور سيعرض علي مشروع كبير مثلا : قناة فضائية عالمية أو مؤسسة دولية أو جامعة عالمية وعموما أيا كان المشروع فسوف أشير عليه بما أعرفه وبكل صدق وإخلاص .

مررنا بكافتيريا وشربنا العصائر وبقينا نتجول ونتحدث حتى العصر وبعد صلاة العصر وجدته يقود السيارة خارج الرياض باتجاه البر ، بدأ القلق يساورني وسألته :  

ـ إلى أين نذهب ؟

ـ إلى البر لنكون على راحتنا في الحديث فللجدران آذان .

وحاصرتني التساؤلات: هل يخطط الدكتور لثورة في السعودية أو للانقلاب على نظام الحكم طالما أن الموضوع " توب سيكرت " وبهذه السرية والأهمية؟!

  يبدو أنه قد وضع خطة سرية للثورة ويريدني أن طلع عليها .

طوال الطريق اجتاحني القلق والهواجس المخيفة وظللت أدعو الله في سري أن يعطيني خير هذا الأمر ويكفيني شره .

وصلنا إلى منطقة برية خالية تماما من الناس فأوقف السيارة وأغلق هاتفه ونزل فتبعته فطلب مني إغلاق هاتفي ووضعه في السيارة ففعلت وبدأت أقلق أكثر .

الجو حار والتوتر يسود الموقف ، أنتظر المفاجأة بكل قلق ، نظر يمينا وشمالا ولما تأكد من خلو المكان ذهب إلى السيارة وعاد بمصحف ثم فتحه وأشار بأصبعه إلى آية قرآنية فلم أفهم ماذا يقصد ، أعاد المصحف إلى السيارة وعاد والعرق يتصبب منه ، مجددا تلفت يمنة ويسره ثم همس لي : قال تعالى : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ).

لم أفهم ماذا يقصد بالآية فقلت : 

ـ تقصد أن الملوك في المملكة فاسدين ؟

صرخ في وجهي :

ـ أصصصصصه يا طويل العمر راح تودينا في داهية 

قلت باستغراب :

ـ نحن في صحراء فلو نضع خطة للانقلاب على النظام في السعودية فلن يعرف أحد . 

شحب وجهه وأصفر لونه وارتعد كعصفور تحت المطر ثم عاد إلى السيارة فلحقته حتى لا يتركني في الصحراء بلا مواصلات ولا هاتف .

  أدار محرك السيارة وعدنا من حيث أتينا ، كان غاضبا مني كأنني قد ارتكبت جريمة كبرى بحقه وقبل أن نصل إلى الطريق الرئيسي قلت له :

ـ دكتور صل على النبي وأذكر الله وسامحني إذا أخطأت 

ثم أضفت : 

ـ أسألك بالله تخبرني بماذا كنت ستستشيرني ؟

أوقف السيارة ثم همس لي : 

ـ كنت نويت أن أكتب مقال وأرسله للنشر في جريدة الوطن وفكرت أن أنتقد الفساد في المملكة ولكني خشيت من العواقب الوخيمة إن نشروا المقال .

كدت أنفجر من الضحك ولكني تماسكت وتصنعت الاهتمام وقلت له : 

ـ أنت أكتب بلغة راقية ، لمح ولا تصرح ، أبدأ بذكر الانجازات الكبيرة التي تحققت والمشاريع العملاقة والنهضة التنموية الشاملة ثم قل مثلا : " ونحن على يقين أن عجلة النهوض الحضاري بالمملكة والتي انطلقت بسرعة قصوى بفضل جهود خادم الحرمين وسمو ولي عهده ستشمل كافة المجالات بما فيها مكافحة الفساد حتى تتحقق الأهداف السامية للقيادة الحكيمة في هذا الوطن " .

أشرقت في وجهه فرحة كبرى ثم ناولني ورقة وقلم وطلب مني أن أكتبها له ليضمنها في المقال ، انطلق بالسيارة نحو الرياض وهو في غاية السعادة والفرحة وحين رأى دورية للشرطة في مدخل المدينة صاح في  :

ـ أستاذ محمد اشطب عبارة " مكافحة الفساد " أشطبها بسرعة بسرعة .

أسرعت اشطب عبارة مكافحة الفساد كأنني أتخلص من سلاح خطير جدا وحينها تنفس الصعداء ارتياحا كأن جبل من الهموم قد أنزاح عن كاهله .!