من وحي الحروب الست بين الدولة والحوثيين، كانت الحرب الحقيقية هي الأولى التي قطفت رأس مؤسس الحركة حسين الحوثي، والحرب الثانية التي قطفت رأس والده الأب الروحي للحركة بدر الدين الحوثي، وما بعد ذلك كانت لعبة قذرة قتل فيها آلاف الجنود من الجيش اليمني .
في تلك الحرب بدا لنا أن الرئيس علي عبدالله صالح مسيطرا على زمام الأمور، الى درجة أن اليمنيين كانوا يصفونها حروب الهاتف كونها كانت تتوقف فجأة بعد اتصال بين الرئيس والحوثيين، ووصل الأمر إلى اتهامات لنظام صالح باستخدام الحوثيين لتصفية الجيش اليمني واحلاله للحرس الجمهوري الذي أنشأه كقوة موازية بديلا عنه، وحتى صالح هو حاول أن يثبت هذه النظرية من خلال اهماله تدريب وتسليح الجيش وحكر التدريبات النوعية والسلاح الحديث على الحرس الجمهوري والقوات الخاصة .
بعد عقد ونيف تحديدا في 2017 سحق الحوثيون صالح وورثوا عمليا كل قواته وسلاحه، وأصبح وهمنا ووهم صالح بأنه يتحكم في الحرب ويسيطر عليها وقادر على هزيمة الحوثيين كذبة كبيرة سقطت وسقط معها الكثير من علامات الاستفهام عن التمويل والتسليح ومصير الجيش النوعي المدرب !
وإذا أسقطنا حروب صعدة الست على عاصفة الحزم وحربها مع الحوثيين سنقول أن الحرب الحقيقية هي التي أعادت الجيش إلى تخوم صنعاء بين 2015 و 2017، وما بعدها حروب عبثية تتنوع بين تحرير المحرر وتسليمه بيد ميلشيات أخرى، وسقوط المحرر بيد الحوثيين مرة أخرى، فهل سيأتي يوم ونكتشف أن حقيقة تمكن التحالف وسيطرته على الوضع وتلاعبه بالحوثيين إما لأسباب تتعلق بالضغوط الدولية أو ترتيب مصالحه في اليمن، أن كل ذلك مجرد وهم يشبه وهمنا السابق بسيطرة صالح وتلاعبه بحروب صعدة؟
الذي دفعني لتكرار المخاوف من اتكالنا على وهم سيطرة قوة ما وتلاعبها بالحرب، هي حالة الوضع بعد أن عادت الميلشيات لإسقاط المحافظات المحررة، ويبدو فعليا أن ذلك يتمثل في ذكاء الإيرانيين المشرفين على الحوثيين في محاولة إظهار أن الحرب ليست بأيديهم فيما نتائجها الحقيقية تعود إليهم .
الخوف الأكثر أن السعودية قائدة التحالف تعيش ذات الدور الذي عاشه صالح في أن اليمن مجرد رقعة شطرنج تحرك على خريطتها القطعة التي تريد، فنتفاجأ في نهاية الحرب بنتيجة مختلفة ، والذي دفعني لهذه المخاوف هو أن المحسوبين عليها يبحثون عن انتصار اعلامي ضد شخصيات يمهدون لإقالتها، وهذه الشخصيات كانت يوما من أهم حلفائهم وشاركوا مرات فِي تحرير محافظاتهم، قبل أن يتحول الحوثي أداة تستخدم لتقليم أظافر الحلفاء وتأديبهم واحلال حلفاء آخرين بدلهم، وهي آليات سبقهم صالح بها في الحروب السابقة مع الحوثيين بين 2004 و 2010.
أما الحديث عن الفشل إذا كان هناك تقييما حقيقيا فالفشل بدأ من التحالف وقيادة الشرعية السياسية ، ولم تكن من الميدان الذي ظل في حالة نشاط وفاعلية ضد الحوثي رغم توقيف رواتب الجنود ومنع تسليحهم واهدار حقوق الشهداء والجرحى وتمكين الحوثيين اقتصاديا وماليا وعسكريا منذ بدء حوارات ظهران الجنوب في 2016 حتى تصعيد التحالف مرة أخرى في ديسمبر 2021 كمحاولة لدفع الحوثيين للحوار ، وليس اخضاعهم أو حسم الحرب ضدهم، وهو ما أعاد لنا ذات الوهم لنكرر ذات الفكرة في ان السعودية متمكنة وقادرة على هزيمة الحوثيين وإيران لو أرادت ، ونأمل أن لا يكون ذلك وهما ثم نجد إيران على حدود دولة المقدسات الاسلامية .