أعلنت جماعة الحوثي يوم الاثنين مهاجمة دولة الإمارات، وتحديدا مدينتي أبو ظبي ودبي، بخمسة صواريخ باليستية ومجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيّرة التي استهدفت مطاري أبوظبي ودبي ومصفاة النفط في مدينة " مصفح"، وذلك ردا على عملياتها في اليمن - بحسب المتحدث العسكري للمليشيا يحيى سريع.
هذا الهجوم الكبير، الذي سقط على إثره قتلى وجرحى، وتوقفت بسببه الملاحة الجوية في أبو ظبي لساعات، واندلع حريق في مصفاة 'مصفح' النفطي، لم يكن مفاجئا وإنما جاء بعد أيام من تهديد الحوثيين بقصف يطال العمق الإماراتي، إن لم توقف تصعيدها في اليمن.
فما أسباب هذا التصعيد من قِبل الحوثيين؟ وما دلالاته؟ وما الرد الإماراتي المتوقّع على هذا الهجوم؟
تساؤلات سنجيب عنها في هذا التحليل:
- اقتراب قوات العمالقة من البيضاء
مؤخراً، حققت قوات العمالقة، المدعومة من الإمارات، تقدما كبيرا في جبهات شبوة، واستطاعت استعادة الكثير من المواقع والمناطق التي سيطر عليها مسلحو الحوثي، وهذا التقدّم لقوات العمالقة التي حظيت بدعم كبير ومفتوح من التحالف السعودي - الإماراتي قد أثر على المشهد العسكري في اليمن، وفقد مسلحو الحوثي الكثير من هيبتهم والروح المعنوية، خاصة وأنه تزامن مع انتصارات الجيش الوطني في مأرب، وبدعم من قوات العمالقة التي كان لدخولها المعركة أثر كبير في تغيّر موازين المشهد العسكري في اليمن.
هذه المستجدات دفعت الحوثيين إلى تبنّي عملية عسكرية كبيرة تدفع الإمارات إلى إعادة النظر في دعمها لقوات العمالقة التي يخشون من تقدّمها باتجاه محافظة البيضاء ذات الأهمية الاستراتيجية، لأن سيطرة العمالقة عليها ستجعل الوصول إلى صنعاء أمرا ميسورا، وسيُقطع الطريق على الحوثيين نحو مناطق الجنوب، ويُعزز من تراجعهم في الكثير من الجبهات، إضافة إلى مواصلة قوات العمالقة دعم قوات الجيش الوطني في مأرب، ولذا كانت هذه العملية العسكرية التي استهدفت العمق الإماراتي.
الإمارات كانت قد أعلنت أنها انسحبت عسكريا من اليمن، وهو ما أثار ارتياح الحوثيين ودفعهم إلى الصمت عن وجود قواعد عسكرية لها في جزيرة ميون (بريم) في باب المندب، رغم قدرتهم على استهدافها، وقد برر القيادي في جماعة الحوثي محمد علي الحوثي ـ في تغريدة بتويتر ـ صمت جماعته عن وجود قواعد عسكرية إماراتية في جزيرة 'ميون' بأن الإمارات قد أوصلت رسالة لقيادة الجماعة بأنها لم تعد لها توجّهات عدائية ضد الجماعة.
الحوثيون يدركون أن دخول قوات العمالقة المعركة ضدهم وبقوة لم يأتِ إلا بضوء أخضر وبدعم وتنسيق إماراتي، وبناءً عليه فقد اعتبر الحوثيون أن الإمارات قد تراجعت عن موقفها السابق منهم، وتبنّت موقفا جديدا معاديا لهم بدفع قوات العمالقة إلى خوض المعركة في شبوة ومأرب، وهو ما تطلب هذا الرّد من قبلهم، وهذا ما أكده القيادي الحوثي محمد البخيتي، الذي أكد في اتصال هاتفي للجزيرة يوم أمس أن "الإمارات كان لديها توجّه للخروج من ورطة الحرب على اليمن، رغم أنها لم تنهِ مشاركتها العسكرية، إلا أننا جنبنا كل عملياتنا العسكرية في العمق الإماراتي من أجل أن نتيحَ لها فرصة للخروج بماء الوجه من العدوان على اليمن، ولكن -للأسف الشديد- عقدت صفقة بين السعودية والإمارات مؤخرا، سلّمت السعودية بموجبها كل المحافظات الجنوبية للإمارات، فقامت بالتصعيد العسكري، فكان لا بُد من تأديبها".
- دلالات استهداف العُمق الإماراتي
الحوثيون باستهداف العُمق الإماراتي يريدون دفع الإمارات إلى إيقاف قوات العمالقة عند الحدود الشمالية - الجنوبية، بحيث لا تتجاوز مناطق شبوة، وتتقدّم باتجاه البيضاء، وبهذا يتم رسم الحدود بين شطري اليمن عسكريا كمقدمة لاحتفاظ الحوثيين بمعظم مناطق الشمال، والانتقالي بمناطق الجنوب، هذا أولاً.
ثانيا: وصول هذه الصواريخ والطائرات إلى العمق الإماراتي، واستهداف أهداف حيوية مثل مطار أبوظبي ومصفاة النفط في مصفح، وتعطيل المطار، وإحداث الحريق، دون القدرة على اعتراضها في الجو، يعني فشلا كبيرا للقدرات الدفاعية الإماراتية، وقصورا واضحا في عملها، وظهور ضعفها، وانكشافها أمام هذه النوعية من الهجمات، رغم إمكانياتها العسكرية، وهو ما يؤكد على أن الطائرات المسيّرة باتت اليوم الأداة الأكثر فعالية في الحروب العسكرية، ولعلَّ الطائرات المسيّرات التركية هي المثال الأكثر وضوحا على ذلك، حيث حسمت عدة حروب في المنطقة من أذربيجان إلى ليبيا مرورا بسوريا وانتهاء بأديس أبابا مؤخراً.
ثالثا: أراد الحوثيون من هذه العملية رفع الروح المعنوية لمقاتليهم بعد الخسائر الكبيرة التي تعرّضوا لها مؤخرا في جبهات شبوة ومأرب، فهم يريدون القول عسكريا "طالما نحن قادرون على قصف أبو ظبي ودبي، فنحن قادرون على توجيه ضربات كبيرة للتحالف السعودي - الإماراتي على الأرض، وألاّ هدف يبعد عن طائراتنا وصواريخنا، ولذا عليكم أن تعيدوا النّظر في تصعيدكم ضدنا".
رابعا: الحوثيون يريدون القول إنهم بعد أكثر من سبع سنوات على الحرب في اليمن ما يزالون قادرين على تطوير منظومتهم الصاروخية والدفاعية، وقد انتقلوا فيها من الدفاع إلى الهجوم، بحيث صاروا يقصفون العمق الإماراتي، ويحدثون خسائر كبيرة في الاقتصاد الإماراتي، وينالون منها كدولة إقليمية مؤثّرة في المنطقة.
- هل ستخضع الإمارات لمطالب الحوثيين؟
بعد القصف الذي طال العُمق الإماراتي، قام طيران التحالف السعودي - الإماراتي بقصف بعض المنازل السكنية في العاصمة صنعاء، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وهو الرّد الأولي على هذه العملية العسكرية، كما طلبت خارجية الإمارات من واشنطن تصنيف الحوثيين ك'منظمة إرهابية'، وإذا كان هذا هو الرّد الأولي فإنها أمام عدّة خيارات للرد على هذا الاستهداف، وهي:
1 ـ إعادة النّظر في التصعيد العسكري الأخير ضد الحوثيين، وإيقاف العمليات القتالية لقوات العمالقة في اليمن، بحيث تكتفي بما حققته من تقدّم في جبهات شبوة، وبدعمها المحدود لقوات الجيش الوطني في مأرب، هذا الخيار يؤكده البعض من المراقبين، لأنها تفتقر إلى العمق والقدرة السعودية على امتصاص مثل هذه الضربات العسكرية الموجّهة إلى المنشآت الحيوية (المطارات، المصافي النفطية)، وتواصل مثل هذه الضربات سيجعل الإمارات تفقد سمعتها كدولة تتمتع بالأمن والاستقرار، وتحتضن النشاط التجاري الأكبر في المنطقة، كما ستدفع الشركات التجارية إلى مغادرتها بعد أن فقدت القدرة على تأمين منشآتها الحيوية.
فهي سوق تجاري كبير، ووجود استهداف عسكري متكرر لها يفقدها مِيزاتها التجارية والاستثمارية، وهو ما تحسب له ألف حساب.
فإذا كانت الضربات الجويّة، التي استهدفت منشآت أرامكو في "بقيق" غرب السعودية (14 أيلول /سبتمبر 2019م)، قد جعلتها تفقد نصف إنتاجها النفطي، وتفقد المليارات من الخسائر، وتربك سوق النفط العالمي، ما دفعها إلى إطلاق مبادرة سلام في 22 مارس/ آذار 2021م، وإبداء رغبتها في التفاوض مع الحوثيين، والاستعداد لتلبية كل شروطهم، رغبة منها في تأمين منشآتها النفطية، وتجنّب المزيد من الخسائر، وأطلقت حوارا مع ايران، لعلّه يدفع حلفاء إيران في اليمن إلى التفاوض معها، فإن الكثير من المراقبين يرون أن هذه الضربة ستجعل الإمارات تُوقف تصعيدها ودعمها للعمليات العسكرية في شبوة وغيرها، والاكتفاء بما تم تحقيقه، خاصة وأن الرد الذي قامت به من قصف على الأماكن العسكرية والمنازل المدنية في صنعاء، أو طلب تصنيف الحوثيين ك'منظمة إرهابية'، لن يؤثّر على سير العملية العسكرية في الجبهات، مثلما يؤثّر عليها دعم الجبهات نفسها، وتوجّه قوات العمالقة باتجاه البيضاء.
2 ـ أن تواصل الإمارات دعمها لقوات العمالقة، وتوجهها نحو محافظة البيضاء -وسط اليمن- كرد عملي على هذا الاستهداف من قِبل الحوثيين، وتوجهها إلى مواصلة دعم قوات الجيش الوطني في مأرب، وهذا خيار مكلف، كونه يعني أن الهجمات ستطال عمقها من جديد، وهو ما يعني فقدانها للأمن والاستقرار، واتجاهها نحو المستقبل المجهول.
الأيام القليلة القادمة ستؤكد الخيار الذي ستسلكه الإمارات في ردها، وإن كنا نرجّح توجهها نحو الخيار الأول للأسباب التي ذُكرت سابقاً، لكننا لن نجزم به، فالمشهد اليمني المعقّد سيظل مفتوحاً على كافة الاحتمالات.
نقلا عن موقع قناة بلقيس