قصة قصيرة
منذ أيام وفي ذهني فكرة قصة قصيرة، تلح الفكرة علي لأكتبها ولكني لم أجد الوقت للكتابة ، كلما أهم بأن بالكتابة أنشغل وأؤجل الأمر .!
أخيرا قررت أن أكتب القصة وأستريح من إلحاح الفكرة ، فتحت الكمبيوتر وبدأت بالكتابة وفجأة طرق أحدهم الباب ، وكان صديق لي يعمل أستاذا في إحدى الجامعات الحكومية .
تساءلت بيني وبين نفسي :
ـ لي منه سنوات فما الذي ذكره بي ؟ !
تحدثنا .. أخبرني أنه بلا راتب منذ أشهر وطلب مني التعاون معه لتسجيله كنازح لدى أي منظمة أو جهة فكل ما يريده هو سلة غذائية فأولاده بلا طعام .
حينها نسيت القصة ، لبست ثيابي وذهبنا إلى مدير منظمة تقدم سلال غذائية للنازحين ، كنت أعرف المدير بشكل سطحي لكنني تجرأت وذهبت إليه ، فوجئ بوصولي منزله ولما أخبرته بمعاناة صديقي صدمني باعتذاره :
ـ للأسف سامحني المنظمة مختصة بالنازحين
ـ لكن الأستاذ محتاج ..
قاطعني :
ـ المؤسسة الخيرية لرزق مبخوت
قرأت الانكسار وقهر الرجال في وجه صديقي الذي لم يستطع شرب الشاي فاجتاحني شعور عارم بالحزن ونسيت القصة تماما .
ذهبنا إلى رزق مبخوت ، بجوار منزله وجدنا عشرات النسوة بأطفالهن ، اخترقنا جموع النسوة ووصلنا إليه ، ألتقيته قبل فترة في مناسبة عامة ، ولحسن الحظ أنه تذكرني ، ولما طرحت موضوع الأستاذ قاطعني :
ـ للأسف لو حدثتني عنه قبل بداية العام لأننا نرفع في بداية كل عام كشوفات نسوقها لدي الخيرين والجهات وليس لدينا فائض من المساعدات .
تلون وجه صديقي ونكس رأسه وزاد شعوري بالحزن والضياع ، وعدنا وكأنك يا بو زيد ما غزيت .!
أثناء المشي فوجئت بأن صديقي يترنح ويكاد يسقط ، وأدركت أنه الجوع ، وأنه يشعر بدوخة وبدأ العرق يغشى وجهه ، وعلى الفور جعلته يتوكأ علي وأسرعنا لأقرب مطعم ، لم يكن في جيبي حتى ثمن كعكة لكنني طلبت عشاء وبدأنا نأكل .
قلت لنفسي :
ـ سنأكل وبعدها يفرجها الله .
ولم أستطع إخفاء قلقي وحاصرني السؤال :
ـ ماذا سنقول لصاحب المطعم بعد العشاء ؟ !
حينها كانت فكرة القصة قد صارت نسيا منسيا .
بعد أن أكملنا الأكل طلبنا الشاي وبقينا نرتشف الشاي ونتحدث وأنا وادي آخر ، في قلبي أدعو الله أن يفرجها ، وفجأة تصلني رسالة على هاتفي بأن لدي حوالة .!
تأملت الهاتف غير مصدق ما يحدث .
يا الله ما أكرمك .!
الحمد لله لقد جاء الفرج من حيث لا أحتسب .!
قلت لصاحبي :
ـ انتظرني دقائق فقط سأستلم الحوالة وأعود
ولكي يطمئن أريته الرسالة .
قلت لنفسي : كأن هذه الحوالة رزق ساقه الله لصاحبي فقد أرسلتها صحيفة عربية كنت قد كتبت لها مقالا قبل أشهر وقد نسيت الأمر .
وعدت وقد زال قلقي وتبدل حالي ، دفعنا لصاحب المطعم حسابه وركبنا سيارة أجرة إلى تاجر الجملة في الحارة ، طلبت من صديقي أن يأخذ ما يحتاجه من مواد غذائية .
نظر إلي وقد داهمه الخجل ولجم لسانه ..
قلت له :
ـ خذ وانا سوف أحاسبه وعندما يفتح الله عليك ادفع لي .
ـ لكن ..
ـ اعتبرها سلف يا أخي نحن اخوة ، تحرك .
أخذ صديقي كل ما أراد من المواد الغذائية وحملناها في التاكسي وحاسبت التاكسي ، وقبل أن يركب السيارة تقدم مني واحتضنني واجهش بالبكاء ثم شكرني ومضى وهو يمسح دموعه والفرحة قد أشرقت في وجهه .
عدت إلى منزلي يغمرني احساس بسعادة عجيبة ، سعادة لم أشعر بها من قبل ، حتى الصداع الذي كان يلازمني بسبب السكري أختفى .!
لقد قمت بحل مشكلة صديقي ، لكن مشكلتي أنني نسيت القصة .!