الحلقة الثانية
تذكرت أنني عندما كنت طفلا كنت أتسلل إلى خزان المياه في سطح منزلنا عندما يكون فارغا وأفتح بابه وأنام بداخله فيما ينشغل الجميع في البحث عني ولا يخطر على بال أحد أنني في خزان المياه ، اتخذت منه الملجأ السري لي ، حتى صحوت ذات يوم على باب الخزان وقد أغلق حاولت فتحه فما استطعت وكدت أختنق فجعلت أدق بقوة على الخزان من الداخل حتى سمعوا صوتي وفتحوا لي الباب واخرجوني وانا في الرمق الأخير ، ومن يومها كنت اتحاشى النظر إلى الخزان ناهيك عن الدخول فيه ، يبدو أني الآن في مكان لا يخطر على بال أحد ولكن من سيسمعني ويفتح لي الباب ويخرجني ؟!!
لا خيار لي سوى أن ادق على باب الخزان وأظل أطرقه بكل قوة حتى يسمعني أحد ويفتح لي أو على الأقل يطعمني حتى لا أموت جوعا لقد رضيت بالبقاء هنا حيا على الموت هنا جوعا ، صعدت الدرج وطرقت الباب بقوة وظللت أطرق حتى يئست من ان يسمعني أحد وحين بدأت أنزل الدرج سمعت صوت باب يفتح فعدت للطرق مرة أخرى وأصيح فسمعت صوت من خلف الباب :
ــ من بالبدروم ؟!!
ــ أنا أفتحوا لي أنا الإنسان اللي أخذتموه من الشارع أنا سأموت من الجوع هنا ما ذنبي حتى ترموني رمية الكلاب هنا ؟!!
أنا إنسان ولي كرامة وحقوق .
وجاءني صوتها هادئا :
ــ لحظة .. لحظة اهدأ لو سمحت أنت الصحفي ؟
ــ نعم الصحفي المختطف بدون ذنب الانسان الذي أهينت كرامته اليوم .
وفاجأتني بقولها :
ــ والله يا أستاذ ما لي يد في الموضوع أنا اقرأ لك وأحترمك كثيرا ولا ناقة لي فيما يحدث ولا جمل وأعتذر لك ألف مرة .
سررت لحديثها عني تعرفون الكاتب ما فيش حاجة تخليه ينتفخ ويتنفش مش الطاؤوس غير الثناء ومديح القراء وزال عني بعض الغم والقهر الذي لحق بي النساء يغسلن بحديثهن أوجاع القلب ويمسحن كل الالام ويبدو أن هذه منهن ساقها الله لي رحمة بي ومؤكد انها ستعاملني بنبل وربما ستفرج عني وتدفع الثمن .
ــ أستاذ أنت من إب أو من عمران ؟
ــ أنا من إب
ــ من وين من إب ؟
ــ من العدين
ــ من العدين يا الله بريح جلاب
ــ لا من العدين يا الله بشيخ نهاب
ضحكت فصحت فيها :
ــ أنت رايقة وتضحكي وممكن تغني ، أنا هنا مقتول نفسيا ومعنويا ولا أعلم سبب وجودي وأكاد أدوخ من الجوع ، أفتحي لي الباب ودعيني أذهب لحال سبيلي الله يفتح لك أبواب السعادة .
ــ تروح لحال سبيلك ؟
ــ أيوه
ــ تستشهد ؟!
ــ استشهد كيف ؟!
ــ لا لا ما فيش حاجة بس تذكرت مشهد من مسرحية « الواد سيد الشغال « لعادل امام
ــ مسرحية ؟ قلت لك انك رايقة
صدمت بردها الذي قتل فرحتي :
ــ المفتاح مش معي هذا أولا وثانيا وهو الأهم أن الأمر ليس بيدي لكني ممكن أساعدك أنتظر وسأعود سريعا .
الحمد لله فرجت وكنت أظنها لن تفرج أكيد أنها ستأتي بمطرقة أو حديدة وتكسر القفل أو تفتح لكني تذكرت أنها قالت أن الأمر ليس بيدها هل هي الشغالة ؟ مش مهم من هي المهم في ناس هنا في حياة أنا كنت خائف أكون في بيت مقفر في طرف صنعاء واموت هنا جوعا ومؤكد أن هذه الانسانة إذا لم تخرجني من هنا فإنها ستساعدني على الأقل ستوصل لي الأكل بطريقة أو بأخرى وهذا ما سيخفف عني لقد كدت أدوخ من الجوع وأختنق من الخوف والمصير المجهول في نهاية الأمر وجود امرأة في الكان آنسني كثيرا لقد كنت أريد سماع أي صوت في المكان حتى لو كان صوت كلب ينبح أو حتى صوت علي عنبة .!!
جلست مسندا ظهري على باب البدروم وما هي إلا دقائق حتى سمعت صوتها تقترب وتطرق الباب وشممت رائحة عطرها يخترق الأبواب والحواجز .
ــ أستاذ كيف ندخل لك الأكل ؟!
كأنها هوت على رأسي بعضا خيزران غليظة ، يا فرحة ما تمت فعلا مشكلة كيف سيصلني الأكل ؟!!
ــ فكر بطريقة فالحاجة أم الاختراع
ــ حاضر .. سأفكر
ــ خلاص وجدتها لكن أنت ساعدني شفت الدولاب الذي عندك قربه من الى جوار الحائط وسوى فوقه صناديق واصعد إلى النافذة الصغيرة أول نافذة على اليمين وأفتح في زجاجها فتحة تسمح بإدخال الأكل .
ــ فكرة عبقرية حاضر
« أقسم بالله أن هذه المرأة عقلها يوزن بلد « قلت هذا بيني وبين نفسي وأسرعت أقرب الدولاب وأضع الصناديق والأدوات حتى صعدت إلى النافذة وكسرت زجاجها بحديدة كانت بين الأدوات في البدروم وناولتني السندويتشات والعصير فأسرعت ألتهمها وأنا غير مصدق يا الله لك الحمد والشكر ما أكرمك وألطفك بي .!
أكملت الأكل وشعرت بارتياح كبير وتمنيت ان تكمل هذه المرأة جميلها وتجعلني أتصل بأمي وأطمئنها علي ولكنني انتبهت الى أنها ذهبت فحزنت وتمنيت أنها بقيت حتى تجيب على أسئلتي المصيرية أو حتى تسألني أي سؤال وأحدثها وتتحدث هي من خلف الباب عن أي شيء حتى لو تحكي تأريخ حياتها بكل ما فيها من تفاهات ومواقف وأحداث فهذا أفضل بكثير من البقاء وحيدا في مكان كهذا ، هاتفي الذي كنت أنوي أخذه من محل الصيانة محمل بعشرات الروايات والكتب أقرأ منه حالما تنقطع الكهرباء وظل هاتفي راقيا حتى قررت ذلك اليوم اقتراف مراهقة متأخرة بالاتصال بإحداهن قال لي بشير زميلي في الصحيفة بعد أن دعوته بالأمس للعشاء في مطعم فاخر رغبة مني في انتزاع بعض أرقام هواتف لبنات بغية التواصل معهن ونيل دفء رومانسي في ليالي صنعاء الباردة لكن ما حدث قد حدث والحمد لله همس لي بشير كأنه يفشي أهم أسراره أنه اجرى مقابلة مع احداهن وهي رسامة ذات مشاعر مرهفة وغموض كأنها لوحة معلقة على مرسمها قال :
ــ أجريت معها مقابلة لكي أتعرف عليها لكنها رغم رهافة مشاعرها أدركت أنني عابث في ثياب صحفي فاتصلت بزوجتي وحذرتها من مراهقتي المتأخرة و» سرحت ليلة جن بالبيت « كانت زوجتي قد قررت الرحيل إلى بيت أبوها وكنت لا أريدها ان تذهب بسبب هذه القضية لأن فيها تشويه لسمعتي ولذا تعهدت لها بأن ما حدث غلطة لن تتكرر وحلفت لها الأيمان المغلظة أنني سأتوب توبة نصوحا وراضيتها حتى انقشعت الغمة واكتشفت بعد ذلك أن زوجتي كانت زميلتها في المدرسة ولست أدري من أين جاءت برقم هاتف زوجتي ؟!!
شيء محير يا أخي النساء هؤلاء شبكات متصلة خاصة في زمن الواتساب والفيسبوك .
عموما سأعطيك رقمها طالما وأنت عازب وبيني وبينك فرص المتزوج بالتعرف بالصديقات ضئيلة عكس فرص العازب وهي قالت لي بصراحة :
ــ زوجتك صديقتي وزميلتي وأنت متزوج فلا تشغل نفسك بي .
ربما طالما وأنت أعزب فالفرص مواتية لك ولو لقيتها ستحدثك عن مدارس الفن التشكيلي ولوحاتها وأساسيات الرسم وعن بيكاسو وفان غوخ وسلفادور دالي وحكيم العاقل وأمنة النصيري وهذا كل ما لديها .
ــ أليست جميلة ؟!
ــ يعني وسط مع قليل من المساحيق والمكياج هي بالنسبة لعازب مثلك ملكة جمال .
ــ طيب هات رقمها
ــ بعد ان تدعوني لوجبة غداء فاخرة في مطعم الشيباني غدا وتشتري لي « القات « يكون خيرا سأعطيك رقمها وأرقام أخريات ولا تقلق والله اني مسميهن بأسماء رجال مثلا أنيس عبد الله هي أنيسة محمد وسامح أحمد هي سماح علي وهكذا .
وبالفعل نال بشير ما أراد وعدت بورقة عليها ثلاثة أرقام هواتف وبضعة كروت رصيد إم تي إن لتسهيل وفكرت ماذا أقول لإحداهن إن ردت علي لم تكن لي تجربة في الحديث مع النساء ناهيك عن لقاء إحداهن من قريب والحديث معها أما عدا ذلك فلم يدخل في حيز تفكيري ولولا ليالي صنعاء البادرة والوحشة القاتلة لشخص مثلي لم في يعد التلفاز ما يسليه ولم يجد في مواقع التواصل الإجتماعي ما يجدي ما اقترفت تلك الحماقات وفي الحماقة الأولى أرسلت الكرت وانتظرت الرد فلم يأت ولا حتى كلمة شكرا بعدها أرسلت الرسالة الأولى « كنت أنتظر كلمة شكرا « بعد ثواني ردت « شكرا جزيلا شكرا « فرحت بالرد وقلت في نفسي : أول الغيث قطرة وبعد الشكر ستتابع الكلمات والردود وبعدها سنتعرف على بعض ونتبادل الحديث والمشاعر وطرت في آفاق واسعة من الخيال وتخيلت أنها ستكون ملكة جمال صنعاء وأنها ستقع في حبي وذابت فيه كأنها ليلى وكأنني قيس لكن قيس كان مجنون وأنا مهما كان حبها وجمالها لا أريد أن أجن وأفقد عقلي لكن لا باس بقليل من الجنون المسيطر عليه وجاءت الرسالة الثانية « شكرا مرة أخرى الكرت جاء في وقته لكن من أنت ؟ «
فعلا من أنا ؟
وماذا أقول لها وأرد عليها ؟
وبدون تردد أرسلت « أنا وحيد «
ـ هل أنت تائه وأضعت أهلك ؟
رد صادم وقاسي جدا منها وأردت أن أرد رد يحفظ لي كرامتي
ـ « أنا وحيد هذا اسمي هل أنت أنيسة ؟
ـ لا لا يبدو أنت أخطئت في رقم الهاتف عموما غدا أعيد إليك الكرت الذي أرسلته .
أخذت الهاتف واتصلت ببشير وأخبرته بما حدث والرسالة التي أرسلتها وردها علي فانفجر من الضحك وسألني لمن أرسلت فأخبرته بالرقم الذي أرسلت عليه فزاد ضحكه وأخبرني أن أرسل لها « أنا مرسل من طرف خديجة « وستفتح لي كل الأبواب المغلقة وعلى الفور أرسلت لها كما قال دون أن أسأله من هي خديجة هذه وما قصتها وما هي إلا ثواني وإذا بها تتصل ردت على الفور كنت في البداية أتلعثم وأرتبك وبدأت أتشجع وأتحدث بشكل طبيعي وعادي قالت لي أنها وجدتني إنسان صادق وابن ناس ولذا ستتركني لمن يستحقني وعرفتني بإحداهن من اللواتي كن زميلاتها في الإعدادي أيام الطهر والبراءة واسمها سحر وطلبت مني أن أتواصل معها بشكل شخصي لأنها لو عرفت أنني أعرفها فلن تقبل صداقتي في الفيسبوك أو تتواصل معي لأنها كما قالت متشددة جدا وطالما شهدت لها أنها متشددة فهذه شهادة حسن سيرة وسلوك لسحر وبالفعل تعرفت على سحر وصرت أراسلها بالفيسبوك ونناقش قضايا جادة وعرفت أنني صحفي وصارت تقرأ ما أكتبه وتناقشني فيه وزاد اهتمامي بها حتى بدأ حديثي يطول معها وصارت الليالي قصيرة وحدثت سحر عني بشكل مفصل ومن الطفولة حتى الآن وحدثتني عن كل شيء يتعلق بها وصار كل واحد منا كتاب مفتوح وفوجئت بأن راتبي في نهاية الشهر قد ذهب قيمة كروت اتصالات وأنني قد استدنت ضعفه فعدنا للتواصل بالرسائل على الفيسبوك ولا بأس بعدة دقائق كل ليلة لأننا اعتمدنا خطة لترشيد الانفاق بعد أن اتفقنا على الزواج وبدأنا باختيار شكل المنزل والأثاث وكنت أحيانا أختلف مع أمل على لون الستائر أو الموكيت ثم نعود ونتفق ونضحك على حماقتنا لكنها رفضت أن ترسل لي صورتها رغم محاولاتي التي انتهت بالفشل سألت بشير عنها ولكن أجابني أنها لا يعرفها وأقسم بعدم معرفته لها وأطمئن قلبي لهذا وطالما لا يعرفها بشير فهي إنسانة محترمة وعدت للاتصال بأنيسة وأخبرتها عن سحر وعلاقتي بها وطلبت منها صورة لها فأخبرتني أنها لا تملك صورة لها لكنها قالت أنها متوسطة الجمال وفاجأتني بالقول بأن عمر سحر كبير مقارنة بعمري وأن عمرها 35 عاما وصدمت لهذه الحقيقة في البداية ثم تذكرت أن سحر فعلا رفضت الإفصاح عن عمرها وقالت لي : لو سألتني عن عمري مرة أخرى سأكرهك ومن حينها تحاشيت سؤالها عن عمرها .
وعدت أفكر في عمرها وقلت لنفسي : إذا افترضت أنني تزوجتها بعد 5 سنوات بعد أن « أكون نفسي « فسيكون عمرها 40 عاما وعرفت حينها لماذا كانت تلح علي أنها تريد ثلاثة أطفال وبعدها نتوقف عن الإنجاب لنفسها يعني كانت تريد أن تلحق قطار الإنجاب فمن المؤكد أنها 45 عاما لن تنجب أطفالا وكانت رغبتها الجارفة للأمومة تدفعها للحديث دائما معي عن الأطفال وعن أطفالنا وكيف سنربيهم وعن أسماءهم وبقيت أفكر في الأمر ثم وجدت أن زوجة كهذه هي زوجة مثالية فهي إمرأة لديها حب الزوجة وحنان الأم ولديها الرصانة والعقل وقد تجاوزت مراحل طيش البنات ودلالهن وأطمئن قلبي لهذه الفكرة حتى اختلفنا وصرنا نختلف على أي شيء مهما كان تافها ويبدو أننا مللنا من بعض ولم يعد لدينا ما نقوله لبعض فغادر كلا منا عالم الآخر بهدوء وكانت تجربة ما زالت ندوبها في القلب وما زالت ذكرياتها ترافقني حيثما حللت وارتحلت .
بشير زميل لئيم يعرف كيف ينتهز الفرص ومن أين تؤكل الكتف ويتقن كيفية ابتزاز عازب مراهق مثلي ما زلت بخجل القروي و جديدا على سوق الصياعة الذي خبره هو أيام عزوبيته ولذا فقد أجاد استغلالي ماديا ولفترة لم أخرج منها بصديقة واحدة رغم محاولاتي المتكررة ولكني خرجت منها بعدة دورس وقصص لا تنسى لقد أحصيت في شهر واحد 100 كرت إم تي إن من فئة ألف ريال حتى أن صاحب البقالة قام هو الآخر ينصحني ويروي لي قصصه من فتيات كل همهن إفلاسك ليس إلا لقد أعترف لي أنه في سبيل الوهم والحب الكاذب ضحى ببقالة رأس مالها ملايين وفي النهاية غيرن أرقامهن ولم تصدق معه واحدة وأكتشف أنه أشترى بماله الوهم وربح السراب .