;
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني

شهرزاد تبوح بأسرارها ( رواية ) 962

2022-02-19 09:20:38



الحلقة الرابعة

الآن أيقنت أن في هذا الوطن من السجناء اكثر مما تخيلت ، كنت أحسب أني لوحدي السجين الذي يحلم بكسر القضبان وهدم الجدران والقفز فوق الأسوار والتسلل والهرب إلى أرض الله الواسعة .
 في ليالي صنعاء الباردة كثيرا ما أغمضت عيني وطرت بخيالي في شتى أنحاء العالم أتجول سائحا متفرجا على ما فيه من معالم أثرية وحضارية وغرائب وعجائب فهناك أماكن يتمنى المرء لو يقضي فيها عمره وهناك جنان على الأرض بكل ما في الكلمة من معنى هل أغمض عيني الآن وأطير بخيالي كتعويض عما أعيشه من عذاب وكوابيس في هذا القبو ؟!!
لا ادري كم مضى من الوقت وانا مستغرق في خيالي وهل ما تزال جالسة بالقرب من الباب تنتظر حديثي، ناديتها :
ــ أنت يا
ناديتها وكررت النداء لكني لم أسمع لها صوتا مؤكد أنها ذهبت وخيم على المكان سكون موحش ، لقد اطلت علي هذه الانسانة مثل واحة في صحراء مقفرة ، واحة وجدت عندها الزاد والماء والانس والحياة ، ثم باحت لي ببعض الآمها وأسرارها ومضت ، عدت إلى فراشي لقد نسيت مع حديثها أنني مرمي في هذا القبو وعشت في عالم جميل لكنه تبخر كحلم صحوت منه على واقع تعيس ، هربت من الأسئلة المصيرية التي تحاصرني إلى الأمل وتذكرت الله وانهمرت دموعي ساخنة ، ودعوت الله بقلب خالص أن يخرجني من هذا المكان وبعد الدعاء احسست بالرضا بقدر الله وبالثقة بقدرته وأنه يسمعني وسيجعل لي فرجا ومخرجا .
أخذت أحد أعداد مجلة العربي وبدأت بالقراءة مع حديث الشهر للدكتور محمد الرميحي إلى أن أكملت المجلة في آخر صفحاتها « إلى أن نلتقي « مع أنور الياسين وبقدر جدية الرميحي فإن الياسين كاتب ساخر يكتب بخفة وبطرافة ، لقد رحمني الله في هذا البدروم بهذه الأعداد من مجلة العربي وهي أعداد قديمة تنتمي لفترة التسعينات ولكنها رائعة جدا وبها استطلاعات لبلدان عربية وعالمية ومقالات وحوارات ونصوص أدبية ومتقاطعات وطرائف ، كما رحمني الله بهذه الإنسانة التي أطعمتني من جوع وأمنتني من خوف وأعطتني القات الذي له في هذا البدروم طعم مختلف ، لم أكن أمضغ القات إلا فيما ندر لكنني هنا في هذا السجن الغامض شعرت كم هو القات رائع لأمثالي ، أدركت الآن لماذا يدمن كثير من الناس في اليمن وغير اليمن على القات ويمضغونه كل يوم ، بل أدركت أن الناس الذين يدمنون على المخدرات هم يهربون من واقعهم إلى خيال جميل ووهم رائع .
والقات يشبه المخدرات في أنه ينسي هؤلاء واقعهم مهما كان تعيسا ويجعلهم يتكيفون ويتعايشون مع حياتهم كيفما كانت ومهما اكتنفتها من صعوبات ومنغصات .

                 ****

لم أعد أتذكر كم كان حينها الوقت ولكنني سمعت طرقات على الباب جعلتني أضع المجلة جانبا وأهرع إلى الباب .
ــ هل سمعت آخر الأخبار ؟
ــ ضحكت ، كيف سأسمع الأخبار وأنا هنا في هذا البدروم ؟!
ــ العفو نسيت آخر الأخبار أن مسلحو جماعة الحوثي وصلوا منطقة قبيلة حاشد بعمران 
ــ مش معقول هل أنت متأكدة ؟
ــ نعم متأكدة وكل الأخبار أكدت ذلك .
ــ وأين ذهبت حاشد ورجالها ؟!!
ــ قسموا حاشد ثم حيدوا الجيش واشتروا ذمم الكثير وضحوا بالمئات وهناك خيانات كبيرة وهناك مؤمرة دولية للتخلص من قوة القبائل ولعبة دولية ونظام سابق ينتقم والبقية تفاصيل .
ــ ماذا يحدث يبدو كفيلم هندي .
ــ الحوثيون مع قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأنصاره سيسيطرون على كل المناطق خطوة خطوة بمخطط مدروس ويمضي على قدم وساق وسيحكمون اليمن أو على الأقل الشمال لفترة ربما لسنوات هناك اتفاق دولي على هذا ، لقد رأيت بعض وثائقه بنفسي في أوراق الفندم .
ــ ماذا تقولين ؟!
ــ هذه هي الحقيقة وستثبت الأيام صدق حديثي لكن انسى هذا كله الآن وقل لي : هل ستجوع إلى الصباح؟
ــ مؤكد فالأخبار التي جئتِ بها أرعبتني وجوعتني .
ــ خلاص سأجهز لك سندويتشات وتصبح على خير
ــ صعقتني بحديثها وجعلتني أتساءل :
ـ من تكون هذه المرأة ؟!
وما هي وظيفة زوجها ؟
وماذا يحدث في البلاد ؟
وكيف ستكون النهاية ؟
وكيف سيكون مصيري أنا قبل كل شيء رب نفسي ولليمن ربا يحميها وربنا لطيف رحيم .
ساعات من العصف الذهني يعجر ذهني عن الوصول لصورة متخيلة لما سيحدث لليمن لو نفذ هذا المخطط الذي تقول عليه وحتى لو كنت حرا طليقا فماذا بوسعي أن أفعل وقد انكسرت قبائل حاشد بكلها ثم إنني مجرد صحفي مغمور وشخص بسيط وهذه لعبة دولية كبيرة ولست وكيل آدم على ذريته والمهم والأهم ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه عندي أن أخرج من هنا ولو خرجت سأعود إلى مسقط رأسي في قريتي في ريف إب حيث تنتظرني أمي وأقاربي ولليمن والعالم ربا يحميه .
قررت أن أطلب من هذه المرأة أن لا تخبرني بأي شيء مما يحدث مهما يحدث في اليمن فقد كرهت السياسة وأنا خارج المعتقل فهل سأحبها وأنا في هذا الوضع الذي يصعب على الكافر كما يقال وأنا في ما يكفيني من الهم ووجع القلب ولن أزيد أحرق دمي بأي أخبار الليل في هذا البدروم الكبير له ألف نافذة مشرعة على ألف سؤال وأنا لست غاندي في جنوب افريقيا ولا علي عزت بيجوفيتش في البوسنة ولا حتى الرهينة زيد مطيع دماج في صنعاء ولست ثائرا ولا مناضلا إنا صحفي مغمور وما يهمني هو : هل سأخرج من هذا القبو وأرى النور أم انني سأموت في هذا البدروم قهرا وألما ؟
وإذا كنت سأخرج فمتى ؟ 
ومتى هذه يعلم الله ولا يعلم مدى ألم السجن إلا من سجن ولا يدرك مدى وحشة وقسوة المعتقل إلا من أعتقل وفقد حريته .
لن أقول لنفسي الآن أنني سأروي ما حدث لي برواية يقرأها الناس
أريد أن أخرج أولا وبعدها يكون خير .
وأعود وأتساءل : هل ستجد لها هذه الرواية في حال ألفتها وصدرت جمهور وصدى ؟!
وهل سيهتم الناس برواية كهذه وهم في هذه الظروف الصعبة ؟! نحن في زمن الحروب والفوضى والقتل والنزوح وضياع الدول وانهيار الأنظمة وغياب الامن والاستقرار وللأحلام والطموحات ؟!
وعادت إلي الهواجس والتساؤلات :
من تكون هذه المرأة ؟!
وكم عمرها ؟
لابد أنها جميلة جدا ولذا طمع فيها هذا القائد العسكري وتزوجها كما طع بغيرها مؤكد انه متزوج بأربع شابات يسجنهن في قصوره والعازب الفقير ينام في الوهم مع خيال امرأة وفي هذا البدروم ليس لي إلا الخيال ربما لأن الكبت والحبس ينفجر خيال فاحش ووهم إباحي رغم أن هذه المرأة أحسنت إلي وأطعمتني ويبدو لي عندما تتحدث أنها صادقة فيما ترويه إلا انني لا استطيع أمنع خيالي من غزو غرفة نومها واقتحام حمامها وهي تغتسل وتخيل جسدها الذي أراه يضج بالأنوثة والاثارة والحيوية ولكن ماذا عن السنوات العجاف خلال زواجها بهذا القائد العسكري لابد أنها جففت جسدها وأذبلت زهورها واستنزفت انوثتها وحيويتها لكن حتى هذا يبدو لي احتمالا ضئيلا ، تمنيت من أعماق قلبي أن يذهب هذا القائد العسكري إلى الحرب ويقتل وتقوم هذه الإنسانة بإطلاق سراحي لكني لن أقبل إلا أن تفر معي إلى جزيرة بعيدة من الجزر وهناك نعيش ونتزوج ونقيم مشروع سياحي من مدخرات وأموال هذا القائد الهالك والتي نهبها من أموال الشعب فهل تراها ستوافق على فكرة مجنونة كهذه ؟
ــ يا ترى من تكون ؟
ـ وما اسمها على الأقل ؟
ربما في الليالي القادمة أسألها عن كل شيء وأعرف عنها كف شيء ولكن ماذا لو سافرت ؟!
هل سأموت من الجوع هنا ؟!
هل يدري زوجها بأنها تطعمني وتحدثني من وراء الباب ؟!
ومن أين لها الأموال لتشتري لي حزم القات هذه ؟!
وماذا لو علم بشيء كهذا فكيف ستصرف معها ؟!
أفترض أن زوجها لا يعرف شيئا من هذا الأمر لكن ألم يفكر للحظة واحدة في مصير هذا الانسان الذي رمى به هنا في هذا البدروم كأنه قطعه خردة ؟!!
ربما لأنني من محافظة إب وسط اليمن حيث الناس مسالمون ويعيشون حياة حياتهم ببساطة وبلا عنجهية القبيلي المبندق على الدوام والمتعصب في الحق والباطل ، في إب يتعامل الناس مع غيرهم بسلوك المثقف الذي عاد للتو إلى قريته بشهادة دكتوراه في الأنثروبولوجيا ، ربما لأني لا حزب لي ولا قبيلة فقد رمى بي هنا دون أي اعتبار لآدميتي ولو كنت من خولان أو من بني ضبيان أو من مراد أو من بني زعطان او فلتان لعملوا لي ألف حساب ولما رضيت قبيلتي بهذا العيب الأسود الذي اقترفوه بحقي ولو جاؤوا بتحكيم بعشرة أثوار وبمائة بدق رد اعتبار لكن نحن أبناء المناطق التي نال أبناءها قسط وافر من التعليم والثقافة وشكلوا نخبة البلد قدر ان نتحمل هذه الهمجية التي يرتكبها البعض للأسف وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.

يتبع في الحقلة القادمة ..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد