لا أهمية بالمطلق لحروب الفقراء عند الكبار الأغنياء حينما تطرق الحروب أبوابهم.. ينسون أو يتناسون أنهم مسؤولون بالمطلق عن أمن الفقراء تماماً مثلما هم مسؤولون عن أمن الأغنياء .
لا فرق فيما تحدثه الحروب، هنا أو هناك، من خرائب تمتد إلى ضمير الإنسان، وتشكل سلوكه على نحو لا يمكن معه إهمال حروب الفقراء والتعامل معها بمكبرات صوت يطلقها سفراءهم في صورة تحذيرات أو استعراض نفوذ أو اختبار إرادات .
فعندهم لا تستحق حروب الفقراء أكثر من صوت سفير أو ما دونه من العاملين في مراكز البحث أو المنظمات الإنسانية أو المراسلين .
لن يستطيع هؤلاء الأغنياء أن يعزلوا أنفسهم عن حروب الفقراء حينما يتعلق الأمر بأمنهم، فالأمن العالمي أصبح كل لا يتجزأ بمعايير اليوم، ولا يكفي أن يختزلوا موقفهم منها بمساعدات إنسانية، أو بتفاهمات شكلية لا تنفذ إلى جوهر المشاكل الحقيقية التي تتسبب في إشعال هذه الحروب .
التوقف فقط عند نتائجها "الإنسانية" على ذلك النحو لا يعني أكثر من تجريد الإنسان في هذه البلدان من قيمته كصانع للحياة كغيره من إنسان المناطق الغنية .. وهي لا تعني سوى تذكيره بمكانة الأغنياء في حياته .
كسر الإنسان في حروب الفقراء لا ينتهي به في القبر أو مشرداً ومهملاً على الرصيف ، قد يكون هذا هو المظهر العام الذي تبدو عليه الحياة في صورة البؤس الذي تخلفه الحروب ، لكن الحقيقة هي أن وراء هذا البؤس تتشكل إرادات مقاومة تأخذ هذا الإنسان نحو الانتقام إذا لم يأخذ العالم بيده نحو الخلاص من المشكلات التي تقوده إلى الحروب .
إن أسوأ أنواع الانتقام هو ذلك الذي يجعل هدفه نشر الكراهية بين الأمم بتوظيف الدين والعنصرية والعرقية وموروثات تاريخية وثقافية، وكلها محصلة لحروب تسربت نتائجها إلى البنى الثقافية والسياسية والتربوية والسيكولوجية للمجتمعات ونظمها السياسية .
وإذا كان العالم قادراً على منع نشوب الحرب بين الأغنياء، فلا شك أن لديه القدرة الأكبر على منعها بين الفقراء إذا لم تكن له حسابات مغايرة .