قد لا يكون الاتفاق النووي السبب الوحيد، فحتما هناك أسباب كثيرة هي امتداد للصراع التاريخي بين الغرب والشرق، وهناك عودة للإمبراطوريات التي كانت يوماً جزءاً من قرار النظام العالمي الذي أصبح بيد قطب واشنطن الوحيد منذ تفكك نظام القطبين مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
لكن هنا يمكننا الحديث عن جزئية واحدة تتعلق بالاتفاق النووي .
ربما كان يعتقد الغرب أن السعودية هي من ستقف ضد الاتفاق النووي مع إيران، لكن يبدو أن الصين وروسيا حلفاء إيران أكثر تخوفا من سيطرة أوربا وأمريكا على أهم مصادر النفط والغاز في العالم .
حتى لو سيطر الروس على أوكرانيا الغنية بالنفط والغاز والمعادن مقابل الاتفاق النووي لن تطمئن موسكو لهذا الاتفاق لأن لديها مخاوف في نقطتين أساسيتين :
الأولى : المخاوف من تأثر امدادات النفط والغاز الروسي مع وجود البديل الإيراني، خاصة إذا ما ضمنت الولايات المتحدة وأوروبا النفط والغاز الروسي للعقوبات .
الثانية : المخاوف من تأثر الاتفاقيات المشتركة بين روسيا وإيران بعد الاتفاق النووي خاصة في سوريا حيث تتواجد أكبر قواعد موسكو في المياه الدافئة .
وكما صمم الغرب حرب اليمن وفوضى محيط السعودية في العراق وسوريا لاستنزاف الرياض؛ حاولوا جرجرة موسكو للاصطدام مع أنقرة في حوادث وحروب متعددة أهمها حرب سوريا وأذربيجان وليبيا .
صحيح أن حرب أوكرانيا أظهرت روسيا كقوة تقليدية لم تتطور أسلحتها كما هو الحال مع تركيا التي امتلكت طيرانا مسيرا ذكيا أصبح محور الاعتماد الغربي في حرب أوكرانيا، لكن ذلك لا يمنع موسكو من التدمير الكبير الذي سيصل ضرره العسكري والأمني والاقتصادي على كل أوروبا .
تتجنب واشنطن الاصطدام بموسكو، وكل أسلحتها التي تقدمها للأوكرانيين دفاعية تخفف من وطأة اجتياح الآلة العسكرية الروسية خاصة مع تضمين الحرب النووية لغة التهديد الروسية .
من المستفيد إذن من هذه الحرب؟
المستفيد الأول إيران التي يمكنها أن تفرض شروطها في الاتفاق النووي وتعدد حلفائها، أي أنها ستربح اغراءات الغرب دون فقدان اتفاقيات الشرق مع امكانية استمرار دعم ميلشياتها اما من خلالها مباشرة دون ضغوط أو توزيع الادوار بينهم على القوى الدولية والاقليمية .
الخاسر الأكبر هي دول شرق أوربا التي بإخضاع الروس لأوكرانيا سيخضعون بشكل مباشر أو غير مباشر مع انعدام الثقة بأوروبا وأمريكا .
أما السعودية وتركيا فتحتاجان لتعزيز استراتيجيات جديدة لمنع أي تأثيرات سلبية لهذه الحرب أهمها التوازن الدقيق دون الوقوع في شباك كل أطراف الحرب، فطائرات البيرقدار التركية في أوكرانيا ضمن صفقة تجارية بين دولة ودولة كما هو الحال في صفقات السلاح القانونية، وهي لا تشبه الاسلحة الروسية التي وصلت بيد الحوثيين وحزب العمال الكردستاني بعد بيعها لدول، لأن صفقات الأسلحة الذكية عادة سهل التحكم في المستفيد النهائي منها .
الأهم لنا بعد الحرب الروسية الأوكرانية كيف سيكون عليه الحال في اليمن؟
وهل تدرك السعودية مأزق بقاء الحوثيين حلفاء إيران دون تفكيك أو إضعاف؟
وهل التحالف معهم خيار ضمن خيارات فرضتها التطورات الأخيرة ؟
ومن سيرث اليمن فعلياً طهران أم الرياض؟
سأحاول وضع بعض التوقعات في مقال استشرافي قادم قد يكون رأيا شخصيا أكثر من كونه تحليلا مهنيا .