الحلقة السابعة
لقد عرفت إقبال مشروعي في الحياة ثم عرفت أحلامي وأمنياتي ثم عرفت إجابتي حول رفيقي بالسفر وحدثتني عن ثروة مفاجئة هل تخطط إقبال للهروب معي بثروة كبيرة وتسألني عن مشروعي في الحياة وعن احلامي وأمنياتي التي سننفذها معا من أموالها أو من ثروة زوجها التي سنسطو عليها بشكل أو بآخر ؟ !
أسأل نفسي وأجيب: يبدو أنها تريد التأكد من خططي إذا هربت معي أو إذا مات زوجها الذي من المؤكد أنه الآن يحارب في الجبهة ومن المحتمل أنه سيقتل أو سيستشهد الأمر سيان المهم أنه سيغادر العالم ويخلو لي الجو لأفوز بهذه الإنسانة بالحب بعد أن خطفها هو من حياتها وأحلامها بسطوة السلطة وقوة المال وجبروت الجاه لكن لماذا مضت فجأة دون أن تسمع تعليقي هل لأنها قد عرفت الجواب أم أنها شغلت بأمر ما أم أنها تريد أن تشوقني وتثير خيالي وتشعل تساؤلاتي لليلة القادمة كل هذا جائز .
طال الوقت حتى جاءت الليلة القادمة وبعد وصلت إقبال تسبقها رائحة عطرها المميز بادرتها بالسؤال عما تقصده بأسئلتها البارحة لكنها صدمتني قائلة :
ــ مجرد أسئلة وفضول مني وحب للمعرفة ليس إلا .
ومع هذا فأعتقد أنها تكذب علي ومازلت على قناعة تامة بصواب تحليلي حول أسئلتها ولكني رضيت بقولها وانتشلتني من تفكيري قائلة :
ما هو أغرب موقف قابلك في حياتك وبصدق ؟
بصراحة كثيرة هي المواقف والغرائب ولعل أشدها غرابة ما أعيشه الآن في هذا البدروم قاطعتني :
ــ أقصد أطرفها ؟
ــ أطرفها يا سيدتي ما حدث لي قبل 20 عاما حيث وصلت من قريتي في ريف العدين إلى مدينة إب وفي المدينة التي انبهرت بها كقروي استقبلتني الخرافة فور وصولي حيث سلمني أحدهم ورقة فيها رسالة من الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم يفيد فيها بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في المنام وأخبره بأن يوصي أمته بأمور عدة وإن على كل شخص وصلته الرسالة أن ينسخها 13 مرة وأن من لم ينسخها واهملها يعاقب بعقوبات وحذرني من سلمني الرسالة أنني لو اهملتها سيعاقبني الله ولن أعود إلى قريتي فقلت في نفسي : هذا هو المطلوب ولن أعود إلى قريتي لأرعى الغنم فمزقت الورقة وتهت في شوارع المدينة كقروي اغبر يشاهد العجائب والغرائب وأيقنت أنني تحررت من رعي الغنم ونلت حريتي وما هي إلا ساعة حتى ألقي القبض علي وأعدت إلى القرية رغم انفي فلا أنا فررت من رعي الغنم ولا تحققت نبوة الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم .!
ـ فعلا هذه الرسالة قد وصلتني من صديقاتي أكثر من عشر مرات ولا تزال تنتشر حتى الآن تصور رغم أنها خرافة وأكذوبة .
ــ زدني من قصصك يا محمد
ــ إقبال بدأت أشك أنك أنت من خطفني ورماني في هذا البدروم حتى تسمعي مني القصص وتتسلي .
ضحكت إقبال كما لم تضحك من قبل وزادت الأمر غموضا وهي تقول :
ــ ولنفترض أن هذا ما حدث ماذا بوسعك أن تفعل ؟
لماذا لا تلتمس لي الأعذار وتأخذ الأمر على أحسن وجه لقد كنت خائفة عليك أن تذهب لتغطية الحرب في عمران ثم تقتل وأنت هنا بأمان حتى تهدأ الأوضاع وتستقر الأمور ثم ستخرج للناس وأكيد بتجربة جديدة و.. قاطعتها :
ــ أسألك بالله هل أنت من دبر أمر اختطافي هنا ؟ !
ـ لا والله وليس لي يد في الموضوع ولا ناقة ولا جمل ولكني أعتقد أن هناك من وشى بك إلى عند الفندم ووجه هو باعتقالك ورميك هنا ثم شغل هو عنك بالأحداث ، ستكتشف يوما يا محمد أن الكثير من المشاكل والكوارث في العالم وراها الدسائس والمؤامرات بين الزملاء والأقران وقد قلت لك هذا الكلام حتى أختبر ردة فعلك مع أني أقدر وضعك النفسي والمعنوي وأنت لك حق أن تشك بكل من حولك أنت مخفي قسريا ولا تعرفنا ولكني والله أحب لك الخير وأحاول مساعدتك بما أستطيع ولدي قناعة أنك ستخرج من هذا البدروم برواية تدهش العالم مثلها مثل رواية الرهينة لزيد مطيع دماج الذي كان رهينة في قصر الإمام .
ــ يا إقبال الرهينة كان وضعه في قصر الإمام أفضل مني بألف مرة على الأقل كان يعيش في القصر وليس في البدروم كان يختلط بالناس .. قاطعتني إقبال :
ــ قصدك يختلط الدويدار بالنساء في القصر ؟
شممت رائحة الغيرة منها فبادرت قائلا :
ــ أنا لا أقصد موضوع النساء فأنت تعرفي أن الدويدار أو الرهينة مهما علا شأنه عند إحداهن فهو دويدار في النهاية وشبه طواشي ..
ــ يعني كيف طواشي ؟
ــ الطواشي يعني أنه منزوع الذكورة " مخصي " فهذه كانت عادة الأمراء المماليك في مصر ينزعون الذكورة من الغلمان الذين والخدم يعملون في القصور ويختلطون بالحريم حتى لا يضمنون عفة نساء القصر .
صمتت إقبال ولم أعد أسمع لها صوتا فقلت :
ــ ولكي أخرجك يا إقبال من جو الغلمان والطواشي والرهينة سأحكي لك قصة طريفة حدثني بها قبل عدة سنوات مثقف عربي معروف على هامش فعالية ثقافية بصنعاء قال : عملت كإعلامي مع شخصية خليجية باذخة المنصب خاوية العقل فكنت أكتب لسموه خطاباته التي يلقيها في المناسبات وأجيب على الأسئلة المكتوبة التي تقدم له من وسائل الإعلام وأكتب له تصريحاته ومنشوراته في صفحتيه بتويتر والفيسبوك وكان معاليه يقول لي : " أكتب ما شئت لكن تذكر أنك تكتب باسمي وأنني لوحدي المسئول عما تكتب باسمي " ورغم مضي سنوات من العمل مع سموه والإمكانيات التي وفرها لي والاغراءات من كل صنف ولون والأموال التي كان يغدقها علي إلا أنني مللت من هذا العمل وأحسست أنني أعيش بشخصيتين شخصيتي وشخصيته وأنني يجب أن أحيط علما بنفسيته وتقلباتها وطريقة تفكيره وموقفه من الأشخاص والأحداث ورؤيته لشتى المتغيرات والمستجدات حتى أكتب باسمه ما يوافق شخصيته حتى أنني أحسست بأنني ألغيت شخصيتي تماما وعشت بشخصيته وكان علي رغم هذا أن أرضي غروره وأقنعه دوما بأنه ليس عاجزا عن التعبير والانشاء ولكنه منشغل بأعماله التي لا تحصى وأنه وأنه ووو حتى مللت تماما وطلبت إجازة مفتوحة خلعت فيها شخصيته وعشت بشخصيتي بكل ما فيها مما يحمد ويذم ولم أعد منها إلى سموه وشخصيته حتى الآن رغم محاولاته المتكررة .
إقبال إقبال إقبال
ــ هل ما زلت هنا ؟
وأطبق سكون غامض وصمت على المكان لا شيء سوى هدوء الليل وأصوات نباح الكلاب تأتي من بعيد وكذلك أصوات واهنة لسيارات تمضي مسرعة ، يبدو أن هناك أمر جعل إقبال تمضي وأنا أتحدث لم تكن تفعل هكذا من قبل كانت تجيد الاستماع لي وتبلغني عند رحيلها ما الذي يحدث ؟ !
واقتربت من الباب لعلي أسمع أنفاسها إن كانت ما تزال جالسة قرب الباب لكني سمعت صوتها بشكل خافت وهي تتحدث من بعيد فيما يبدو عبر الهاتف وارتفعت حدة صوتها وسمعتها بوضوح تقول بعصبية " لن أسافر مهما حدث ولا تخاف علي ولا حاجة أنا في أمان " وبعد لحظات عادت إقبال وقالت بغضب :
ــ تصور الفندم يريد مني السفر خارج اليمن قال انه خائف علي واندفعت تشكو في لهجة أسمعها لأول مرة :
" لقد سئمت من تحكم أولاده في الخارج بي والرقابة التي يفرضونها علي كأني خائنة أنتظر لحظة غفلتهم عني لأرتكب الآثام لقد حرضوا على إخواني عنده فلم يعد يطيق سماع أسمائهم كرهت السفر في ظل رقابة من يتلصص عليك مقتنعا بسوء نيتك ويفسر أي حركة منك على انها خيانة أبقى هنا في بيتي أموت أو أحيا أو حتى يخطفوني الجن الأمر عندي لم يعد يختلف كثيرا "
ــ معي لك فكرة ؟
ــ هاه قول نشوف فكرتك انت الثاني ؟
ــ ما يخطفوك الجن ويدخلوك لعندي للبدروم هذا ؟
ضحكت إقبال قائلة :
ــ شر البلية ما يضحك لولا أني أعرف أنك تمزح لغضبت منك وعلى فكرة أني أخاف جدا من الجن بس قلتها بغير شعور في لحظة غضب .
ــ ألا تخافين أن يقتل الفندم في الحرب ؟
ــ ليته يقتل وما يمسي على قيد الحياة ليلة واحدة أريد أن أتحرر يا أخي على الأقل أخرج من هذا السجن وينزاح عني هذا الكابوس الثقيل الذي جثم على صدري لسنوات عجاف ليتهم يقتلوه ما أصحى بكره إلا على خبر قتله وقد أسمه بين الناس بطل وشهيد وعندي سيكون أحلى عيد وسيغدو ميلاد جديد .
ــ أنت شاعرة يا إقبال
ــ من قال هذا ؟
ــ أنت تقولي : " بطل وشهيد وأحلى عيد وميلاد جديد " هذا شعر
ــ جت معي هكذا " جت بظروفها "
ذكرتني إقبال من حيث لا تشعر بأغنية بهذا العنوان لإيهاب توفيق أحب هذه الأغنية وانتشلتني إقبال من جو الأغنية التي لها عندي ذكريات خاصة بقولها :
ــ أنت كنت تقول لي قصة المثقف العربي الذي قابلك بصنعاء ممكن تعيد القصة لأني لم أسمعها كاملة ؟
وأعدت عليها القصة وقصص أخرى وطرائف ومواقف وأدرك إقبال الصباح فانسحبت وغرقت أنا في نوم عميق .
يتبع ...