الإجراءات المتعلقة بعقد محادثات يمنية-يمنية في العاصمة السعودية الرياض، بدعوة من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تمضي على قدم وساق، فقد تم تحديد سقف المشاركين (500 مشارك) والدعوات وصلت إليهم تقريباً، والموعد بات ثابتاً (29 آذار/ مارس- 7 نيسان/ أبريل)، غير أن الشيء غير المؤكد حتى الآن هو أن الحوثيين لن يشاركوا وأن أجندة المحادثات تبقى غامضة ومثيرة للريبة .
على مشارف العام الثامن من حربها المتعثرة في اليمن، اختارت السعودية وربما بتنسيق مع الإمارات تحريك الأمانة العامة لمجلس التعاون للقيام بمهمة جمع الأطراف اليمنية في الرياض بهدف عقد محادثات. من الواضح أن الحوثين لن يشاركوا فيها لكن الأمين العام لمجلس التعاون نايف الحجرف شدد على أن المحادثات ستجرى بمن حضر، أي أن مشاركة الحوثيين لن يكون لعدمها تأثير في مجرى هذه المحادثات .
من الواضح أن قائمة المشاركين ستضم نواباً ووزراء وقيادات في السلطة الشرعية، وممثلين عن الأحزاب السياسية الرئيسة، ومن المؤكد أنها ستضم ممثلين عن التشكيلات السياسية والعسكرية التي استثمر فيها التحالف وثبَّتها كقوى أمر واقع ومكنها من السيطرة على معظم المساحة التي استعيدت من الانقلابيين، في مقابل إضعاف الشرعية وجيشها ومقاومتها والحد من نفوذها .
لم يتردد اسم الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي كثيراً كسلفه، ولم يسجل حضوراً ذا قيمة في الفضاء السياسي والإعلامي، والأمر لا يتعلق بمكانة الرجل بل بالسياق السياسي الذي أصبح فيه أميناً عاماً لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي بات هيكلاً شبه معطل، ويقتصر دوره على ترتيب قمم جامدة بلا روح؛ تُعقد فقط لإثبات أن هذا الكيان الإقليمي لا يزال على قيد الحياة .
اُستدعي الحجرف إلى ترتيب هذه المحادثات، باسم دول مجلس التعاون التي لم تجتمع ولم تحدث نفسها بأن تعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية والدفاع، لتتفق على شيء بخصوص الحرب الطويلة الأمد التي تجري جنوب شبه جزيرة العرب وتؤثر بشكل سيئ في حياة أكثر من 30 مليون إنسان، وهم الكتلة السكانية الأكبر في شبه الجزيرة العربية والخليج، ويقع معظمهم تحت خط الفقر ليس لأن بلدهم فقيرٌ، بل لأن بلدهم لم يحظ بالاستقرار، وتم اختياره منذ ستينيات القرن الماضي ساحة مواجهة بين الشرق والغرب .
لهذا لا يمكن أن نعتبر تحرك مجلس التعاون تعبيراً دقيقاً عن إرادة دول المجلس، أو أنه يعكس توافقاً من نوع ما بين هذه الدول حول اليمن وضرورة إنهاء الحرب على أساس قرارات الشرعية الدولية واتفاق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وهي المرجعيات الثلاث التي لا أعتقد أن دول المجلس في وارد التوافق عليها .
السعودية هي من يحتاج إلى هذه المحادثات، التي من المؤكد أنها ستنتظم في إطار "مؤتمر الرياض-2" لا أقل ولا أكثر، وهذا الإطار الفضفاض يبدو ملائماً لتمرير ما تريده السعودية والإمارات في المقام الأول وهو إعادة هيكلة الشرعية، وهندسة واجهتها وربما إعادة تأسيس مرجعيات جديدة تفسح المجال لمعالجات راديكالية للأزمة والحرب ولنتائجهما ومآلاتهما، بما في ذلك تفكيك اليمن وتثبيت أسوأ اللاعبين الرئيسين الحاليين في الجغرافيا اليمنية المنهكة .
إذ أن هدف محادثات الرياض كما هو واضح يتجلى في سعي السعودية والإمارات إلى تثبيت شخصيات جديدة في واجهة السلطة الشرعية برئاسة الرئيس المثير للإحباط، عبد ربه منصور هادي، وهي ذات الشخصيات التي لعبت أدواراً ضمن التشكيلات العسكرية والهياكل السياسية التي نشأت على هامش الحرب، وعملت بدأب على استقطاع مساحات كبيرة من الأراضي التي يفترض أنها محررة، وصادرت نفوذ الشرعية فيها عبر تمرد مسلح شكل نسخة مكررة من انقلاب الحوثيين وحليفهم السابق صالح على السلطة الشرعية في صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 .
فما هي إذا فرص الحكومة السعودية في إنجاز اختراق من وراء عقد "مؤتمر الرياض-2"؟ والحقيقة أنه يصعب الإجابة على سؤال كهذا، إذ يتعين الأخذ بعين الاعتبار نوايا المملكة العربية السعودية الحقيقية تجاه اليمن، وعما إذا كانت حريصة على إنجاز ما تعهدت به من انتصار على الحوثيين وإنهاء النفوذ الإيراني في اليمن، وهما هدفان يعتقد أنصار الشرعية أن السعودية منفتحة على خيارات عديدة بشأنهما، خصوصاً أن يدها كانت واضحة في استدعاء الحوثيين لإنجاز الثورة المضادة .
لكن الحوثيين اليوم يتصرفون خارج الترتيبات السعودية، ويساعدون طهران لتحويل اليمن إلى ورقة تستخدمها في تعزيز المكانة الإقليمية لإيران. لهذا ليسوا في وارد الذهاب إلى الرياض، التي ينظرون إليها على أنها الطرف المقابل في المعركة الدائرة حالياً في اليمن .
والحوثيون في الحقيقة لا يبالغون في ذلك، فالتحالف الذي تقوده السعودية صادر منذ وقت مبكر قرار الشرعية، واستفرد بإدارة المعركة وتحكم بكل تفاصيلها وإمكانياتها ومواردها، ونال من حلفائه كثيراً، وغاية ما تريده السعودية اليوم هو أن تقود قاطرة السلام في اليمن، حتى لو جاء ذلك السلام وفق الأجندة الأمريكية مع اليقين بأنه لا ضمانة استراتيجية لأمن المملكة والمنطقة في أي تسوية تفضي إلى تعزيز دور الحوثيين في اليمن .
السعودية شاءت أم أبت هي اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى المصداقية من حليفها الأمريكي الذي يبدو أنه يتجه نحو تمكين إيران وحرسها الثوري. على أنه يجدر التذكير بأن المصداقية سلعة لطالما بخلت بها الرياض على حلفائها في اليمن، حتى وهي تشعر بأن الحرب بدأت تطبق عليها من كل الجهات بعد أن تبرعت إيران بإرسال صواريخها وطائراتها المسيرة إلى العمق السعودي وضرب المنشآت الحيوية فيها، بواسطة الحوثيين أو باسمهم .
ولأنها تدرك تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي فإنها ترى في "مؤتمر الرياض- 2 " دليلاً منمقاً تريد أن تثبت من خلاله أنها حريصة على تحقيق السلام في اليمن، وهي رسالة موجهة للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص .
وربما يأتي هذا المؤتمر المرتقب ضمن وصفة كاملة تسديها شركات العلاقات العامة في واشنطن لولي العهد السعودي، الذي لا يزال يواجه صداً من جانب الرئيس الأمريكي، وهو أمر يحد من طموح الأمير إلى بلوغ الندية السلطوية مع القيادة الأمريكية، فهو إذن بحاجة لأن يثبت أنه رجل يريد تحقيق السلام في اليمن، والتماهي مع أجندة الرئيس جو بايدن حتى لو اضطره الأمر إلى الانفتاح على سلام غير مضمون مع طهران .
نقلا عن موقع عربي 21