الحديث عن شرعية الانتقال السياسي أخذ مداه خلال الأيام الماضية، محكوماً بصدمة الانتقال نفسه الذي جرى خارج المشاورات الصورية التي دعت إليها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض، بتأثير السعودية وبعيداً عن إجماع مفترض من دول المجلس .
هناك أسباب عديدة تجعلنا نتوقف عن الحديث عن شرعية الانتقال استناداً إلى المعايير الدستورية والإجرائية، ومنها أن اليمن يمر بمرحلة استثنائية، وعلى الأرض ثمة مهددات كثيرة حالت دون هيمنة الدستور وسيادته، علماً بأن الدستور بات مركباً هجينا من الدستور الدائم واتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية .
وما أود التأكيد عليه أن المهددات التي عطلت عملية التطبيق الصارم للدستور طيلة السنوات الماضية، لم تكن قدراً تسلط على اليمنيين، ولم تكن محصلة حرب وتدافع، بل جزء من مخطط مقصود، يُعرف بعقيدة الصدمة .
هذا يعني ان ما جرى كان استثماراً بالغ السوء من جانب الأطراف الإقليمية المتدخلة في الشأن اليمني، لا يتوقف الامر عند إيران، بل أن السعودية قائدة التحالف ومعها الإمارات الدولة الرئيسة في هذا التحالف استثمروا في إحداث هذه الصدمة التي جعلتنا جميعاً نتقبل فكرة نقل السلطة خارج الوطن، وفرض شخصيات لطالما عملت ضد الشرعية وهاجمت ثورة الحادي عشر من فبراير وشاركت في إجهاضها وتقويض السلطة الانتقالية الناتجة عنها .
لم تكن لدينا قيادة يمكن المراهنة عليها، فما كنا نخشاه قام الرئيس هادي بتسهيل حدوثه عبر قلمه السيال الذي أحدث مجزرة سياسية كبيرة في معسكر الشرعية، وعمل على ترميم الجبهة المضادة المتصدعة وأعادها بالتدريج إلى قلب المشهد اليمني فاعلاً سياسياً وعسكرياً، حتى انتهى الأمر بأن يضطر هذا الرئيس للتنحي بصيغة التفويض، والخضوع لشروط انقلاب، هذه المرة لم يمس أطراف في الشرعية كما كان يجري من قبل، بل طاله شخصياً وأخرجه من المشهد دون أن يأسف عليه أحد .
وسط ترحيب دولي متأني بمجلس القيادة الرئاسي، يمكن القول إن المجتمع الدولي يواصل دعمه للشرعية بصيغتها الجديدة، وهو أمر لم يكن يرغب الحوثيون بحدوثه، ولهذا أظهروا هذا القدر من الانزعاج بتشكيل المجلس الذي توحد به معسكر الشرعية، ووضع السلاح المتصارع تحت سلطة جهة واحدة واحتلت أولوية مواجهة الحوثي رأس اهتمام مجلس القيادة الرئاسي الجديد، على الرغم من الصبغة السلمية التي طبعت قرار تشكيله وتفاعلات القوى الإقليمية، حتى بدا هذا المجلس كما لو كان وفداً تفاوضياً عالي المستوى مع الحوثيين .
بالتأكيد لن يكون لهذا المجلس قيمة على المدى القريب والبعيد إذا لم يغادر حالة الارتهان للقوى الإقليمية المؤثرة، وإذا لم يثبت أنه مختلف في أدائه وفاعليته عن الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي .
هذا الأمر سيتطلب منه أن يعمل على الأرض وأن يوحد القوى من أجل خوض معركة الحسم مع الحوثيين، كخيار من المؤكد أنه سيكون وحيداً في ظل الموقف السلبي الذي أظهره الحوثيون تجاه دعوات التفاوض وإحلال السلام عبر الحوار التي ترافقت مع وبعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي .
هناك من بات ينظر إلى المجلس الرئاسي بأنه أحد أطراف الصراع المتكافئة، وبأنه لم يعد يتمتع بالشرعية الدستورية التي كان يتمتع بها سلفه هادي، ومع ذلك يرى أن هذا المجلس يمكنه أن يبني شرعيته عبر الإنجاز الميداني وهو رأي وجيه وسديد .
لكن أرى أن هذا المجلس يحتفظ بالشرعية الدستورية التي طبعت عهد الرئيس هادي، وسيكون أفضل من هادي بكثير إذا عاد ليمارس دوره من الداخل، وإذا أدى اليمين الدستور أمام مجلس النواب المنتخب وطويل الأمد .
وستتكرس شرعية هذا المجلس وتزداد رسوخاً إذا أستطاع أن يحدث فارقاً جوهرياً في واقع الناس، وإذا استطاع أن يقود الشعب اليمني في معركة شاملة مع التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية الماثلة أن ينهي حالة الحرب على قاعدة الاحترام الكامل للسيادة اليمنية ولإرادة الشعب اليمني وخياراته وثوابته الوطنية .