منذ وصول رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن بعد عودة رئيس وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء مجلس الشورى، وقبل ذلك وجود الحكومة بكامل أعضائها في المدينة السؤال يلح بقوة ما إذا كانت هذه العودة استراتيجية أم تكتيكية وهل ستعيد لمدينة عدن دورها السياسي كعاصمة سياسية مؤقتة للبلاد .
لهذا السؤال ما يبرره، فالشكوك لا تزال تحوم حول دوافع التغيير الذي أطاح بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وأنتج مجلس القيادة الرئاسية وما تعرف بهيئة التشاور والمصالحة، والسهولة التي مكنت هذه التشكيلات الجديدة من إحداث فارق جوهري مع العهد المنصرم للرئيس هادي وفريقه، والذي أعيد تدوير معظمهم ليشغلوا مواقع في الهيئات القيادية الجديدة .
تعاني مدينة عدن من جروح غائرة ورضوض كبيرة وتصدم في البنى التحتية المادية والاجتماعية، وتدهور حاد في المزاج العام بعد 7 سنوات من التدهور الحادي الذي حولها إلى ساحة حرب انتهت بطرد الحوثيين، لكنها استمرت بشكل مميت طيلة تلك الفترة، عبر فرق القتل الحرة التي نفذت العشرات من عمليات القتل السياسي والأعمال الإرهابية، وشاركت فيها فرق أجنبية وخلفت وراءها عشرات الشهداء ومئات المعتقلين والمعذبين والمخفيين قسرياً والقتل الناتج عن التعذيب .
كل زاوية في مدينة عدن تذكر زائرها بعملية قتل واغتيال أو مداهمة، أو اشتباكات إلى الحد الذي فقدت فيه عدن شخصيتها وخاصيتها كمدينة سلام ومجتمع مسالم، بل أن جزء من أهداف الفوضى والرعب والقتل الذي هيمن على المدينة هو قتل الروح الوطنية الذي مثل السلاح الأكثر تأثيراً في يد أبناء عدن، وجعل المدينة تؤدي بفضله دور المرجل الوطني وموئل الثورة والتغيير والروح التحررية الموجهة ضد الاستعمار والإمامة، والتواقة إلى إعادة بناء الوطن على الجغرافية اليمنية الموحدة .
لن نعتبر تفرق الساسة والنواب والقادة خلال إجازة العيد ومغادرة عدن كما هو متوقع مؤشراً على الطبيعة التكتيكية للعودة، بل سننتظر لنرى ما إذا كان رئيس المجلس الرئاسي سيبقى في عدن، وهذا هو الأهم في الحقيقة، لأن البقية سوف يضطرون إلى الالتحاق بعائلاتهم الموزعة في مختلف العواصم، نظراً لصعوبة لم شمل العوائل لعدة أسباب منها عدم جهوزية عدن لتسكين هؤلاء الساسة والنواب والقادة، فيما لا يوجد أي مبرر لمغادرة الرئيس الجديد وأعضاء مجلس القيادة العاصمة المؤقتة إلا إذا كانت لدواعي زيارات ميدانية لمحافظات أخرى، لممارسة صلاحيات إضافية كما هو الحال بالنسبة لمحافظي مأرب وحضرموت .
وثمة مؤشر آخر على استعادة عدن لدورها السياسي، ويتمثل في إعادة تشغيل الوزارات والمؤسسات بكامل طاقتها، وتحرير الكوادر والخبرات الوطنية المرتهنة لدى جماعة الحوثي في صنعاء في ظل أوضاع مزرية يهيمن عليها ذل الحاجة والعوز والفقر، وسحب البساط من تحت أقدام الحوثيين عبر استعادة قطاع الاتصالات والموارد الحيوية خصوصاً الضرائب، واستعادة السيطرة على الأجواء واستيفاء الرسوم المتحصلة عن عبور الطيران الدولي في سماء البلاد .
والأهم من ذلك كله التسارع المفترض في إعادة هيكلة القوى الأمنية والعسكرية وإنهاء السيطرة المطلقة من جانب المجلس الانتقالي بما يسمح من تحرير عدن من حالة الارتهان لطيف سياسي واحد ومشروع ذي طبيعة معادية للدولة اليمنية .
وإلى جانب ذلك الشروع في إطلاق عملية واسعة لإعادة الإعمال وتأهيل البنية التحية والفوقية، وتقديم محفزات كبيرة للمستثمرين ورجال الأعمال والتجار لنقل نشاطهم ومكاتبهم إلى مدينة عدن، وإنهاء عهداً سيئاً من البلطجة والإرهاب الذي حرم المدينة من العوائد المجزية للنشاط التجاري ولتواجد المستثمرين، وحال دون تدفق اليمنيين إلى مدينتهم بكل ما يحدثه ذلك من أثر كبير على اقتصاد المدينة والخدمات .