في البداية لا بد من القول إن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كان وسيظل أعظم إنجاز لليمنيين في تاريخهم الحديث مهما رافقها من سلبيات لا يستطيع أحدا انكارها.
ولا بد من القول كذلك أن الوضع المعيشي قبل الوحدة في شمال اليمن كان أفضل بكثير من الوضع في جنوبه بل لا مقارنة في ذلك وهذا يعرفه الجميع ففي الوقت الذي كان المواطن في عدن يمسك طابور أمام الجمعية من قبل الفجر للحصول على كيلو طماط وكيلو سكر وغيرها كان المواطن في الشمال يستطيع شراء كل ما يريد والكمية التي يريدها وفي الوقت الذي يريد من أقرب محل إلى بيته.. كان المواطن في الشمال يستطيع السفر الى اي مكان في العالم وكانت أبواب دول الخليج مفتوحة امامه بينما المواطن في الجنوب لا يستطيع الخروج إلا في حالات نادرة وإلى دول محددة مع ضرورة وجود ضمانة انه سيعود وهذا يعرفه كل أبناء جنوب البلاد ماعدا جيل الفيسبوك الذي اوهموهم انهم كانوا يعيشون في جنات وعيون وزروع ومقام كريم.
لذلك كان الذي يستطيع الوصول إلى شمال الوطن وأخذ الجواز الشمالي فإنه ذو حظا عظيم يستطيع من خلاله السفر الى كل مكان وبالذات دول الخليج وعلى وجه الخصوص السعودية وكل هذه الدول كانت ابوابها مغلقة أمام المواطن الجنوبي ليس كرها بالمواطن ولكن بسبب نظام البلوتاريا والشغيلة والطبقة الكادحة والنظرية الماركسية وغيرها من المسميات التي كان يرفعها الرفاق في عدن والذين خلسوا الآن جلود النمارة ولبسوا بدلا عنها جلود الحملان ليقودوا ) الإنتقالي ) .
وهو نفس حال المواطن في الشمال ايام الإمامة فمن كان يستطيع الوصول إلى عدن فقد فتحت له الدنيا ابوابها وكان ذلك في أيام (الإنجليز) مع تعاطف كبير من أبناء عدن.. لو حسبنا الوحدة من باب الربح والخسارة الشخصية للمواطن لكان الانفصال مطلبي كمواطن كان يعيش في بحبوحة من العيش الكريم يخرج من بلاده متى أراد ويعود لها متى اراد وله احترامه في كل مكان ثم انقلب هذ ا الوضع رأساً على عقب بعد الوحدة لكن لا يمكن أن أنظر للوحدة من هذه الزاوية فانا كمواطن يمني اعشق الوحدة وأكره الانفصال اعشق الوحدة كونها مصدر عز وكرامة وقوة والوحدة من ضرورات الحياة واخاف من الانفصال لأنه ضعف وهوان بالإضافة للأسباب التالية .
في عام 1967م تصارع في عدن أعضاء جبهة التحرير والجبهة القومية ففر أعضاء جبهة التحرير، ومناصريهم إلى شمال الوطن بالمئات وكان لهذا انعكاس على العلاقة بين شطري الوطن وانعكس على حياة المواطن .
في عام 1969م حدثت التصفية لنظام بطل الاستقلال قحطان الشعبي وأودع في السجن وأعدم رئيس حكومته والكثير من رجال دولته وفر الكثير من أنصاره إلى شمال الوطن وكان له انعكاسه السلبي أيضا .
في عام 1978م حدثت تصفية الرئيس سالم ربيع والكثير من أنصاره وفرار البقية إلى شمال الوطن وكان لهذا انعكاس كبير قاد إلى مواجهات مسلحة بين الشطرين.
وفي عام 1978م فر القائد عبد لله عبد العالم مع رفاقه الى الجنوب بعد مواجهة مع السلطة في الشمال بمنطقة التربة. ثم استمر الرفاق في عدن بدعم (الجبهة الوطنية) في المناطق الوسطى من اليمن بكافة أنواع الأسلحة وسقطت مديريات وهدمت قرى بالكامل وتم زرع عشرات الآلاف من الالغام حصدت ولا زالت أرواح الكثير من الناس وكل هذا تحت شعار الطريق إلى صنعاء وتحقيق الوحدة اليمنية .
في عام 1986م حدثت في عدن أم الكوارث (مجزرة 13 يناير) التي أدت إلى مقتل ما يقرب من عشرين ألف مواطن في عدن والكثير منهم تم تصفيتهم بموجب البطاقة الشخصية وحدثت خلالها أكبر موجة نزوح إلى شمال الوطن ما يزيد عن خمسة عشر ألف مواطن ومسؤول وكان لهذا انعكاساته على الجميع. التجار الكبار واصحاب رؤوس الأموال الذين كانوا في دول الخليج وخاصة السعودية من ابناء المناطق الجنوبية والشرقية وبالذات من ابناء حضرموت وشبوة ويافع لم يستطيعوا العودة الى بلادهم ومناطقهم والاستثمار فيها إلا بعد الوحدة اليمنية المباركة فقد كان محرم عليهم ذلك بحجة محاربة البرجوازية.
منذ استقلال جنوب البلاد لم يكن هناك فترة استقرار وعدم تقاتل مناطقي تحت مسميات مختلفة الا في عهد الوحدة اليمنية حتى عام 2015 م وشاهد الجميع بعدها كيف عادت المناطقية بأبشع صورها وبأثر رجعي لما حدث عام 1986م والذي يقود ها الآن هو الجناح الذي مكنته الإمارات من عدن وهو المنتصر في احداث يناير 1986م وهو نفسه المنهزم في حرب الانفصال عام 1994م يقود حربه المناطقية تحت شعار ( استقلال الجنوب ) وللإنصاف فهم ابرع الناس في ابتكار الشعارات منذ الشغيلة والكادحين مرورا بشعار ( حزبك باقي يا فتاح حزب العامل والفلاح ) وشعار ( لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية ) وصولا الى شعار ( ثورة ثورة يا جنوب من اجل استعادة دولة الجنوب العربي ) ومازالت الأيام تخفي لنا المزيد من الشعارات في جعبة هذا الجناح. !! وهنا اوجه سؤال لأصحاب شعار الجنوب العربي: هل سألتم أنفسكم يوما لماذا في كل موجة نزوح من الجنوب كانت تتجه نحو الشمال؟
لماذا لم يتم النزوح مثلا إلى السعودية أو إلى عمان .؟