ليس هناك أخطر من أن تصبح الهدنة هي الهدف النهائي لجهود الوساطة الدولية، بالنطر إلى ما تكرسه من ندية بين طرفين أحدهما الدولة الشرعية والآخر متمرد وانقلابي، وتفسح المجال للطرف الانقلابي لكي يرسخ نفوذه ويعزز من سلطة الأمر الواقع ويحصنها بسلسلة من الإجراءات التي حولت مناطق سيطرة الحوثيين إلى سجن كبير بلا خدمات ولا حقوق .
تدفع الأمم المتحدة باتجاه تمديد هدنة الشهرين التي تنتهي بحلول نهاية شهر مايو/ أيار الجاري، لمدة ستة أشهر، ولم تحدد المنظمة الدولية ما الذي ستفعله خلال هذه المدة الطويلة عبر مبعوثها إلى اليمن، وعما إذا كانت تخطط بالفعل لإنجاز خطة سلام قابلة للتنفيذ أم أن الأمر يتعلق بإنفاذ استحقاق التمكين لجماعة الحوثي الطائفية التي تدين بكل ما حققته حتى اليوم إلى التواطؤ المكشوف للمجتمعين الإقليمي والدولي معها، على الرغم من الخطاب غير الودي الذي تصدره بعض دول الإقليم تجاه الحوثيين .
لم تحقق هدنة الشهرين أهدافها بشكل كامل، ويكفي أن محافظة تعز وعاصمتها لا تزالان ترزحان تحت الحصار الخانق، رغم صعود قضية تعز إلى ذروة اهتمام المجتمع الدولي وتموضعها في صلب الخطاب الإعلامي لهذا المجتمع في الآونة الأخيرة .
وعلى الرغم من كل الادعاءات، فإن الحقيقة تفيد بأنه ما من أحد يكترث ببقاء تعز تحت الحصار، لأن الغرض من الهدنة لم يكن حماية الشعب اليمني من الحرب وتداعياتها ومن الحصار والقنص وهي أعمال عدائية تقوم بها جماعة الحوثي ضد هذا الشعب اليمني وخصوصاً في محافظة تعز .
فالمجتمع الدولي يكرز اهتمامه على وقف الهجمات العابرة للحدود، لأنها تسببت في حرج شديد لدى القوى الغربية التي أخذت كميات هائلة من الأموال والثروات من دول الخليج في سياق علاقة تضامن وشراكة استراتيجية ودفاعية، لكن هذه الشراكة لم تترجم على أرض الواقع في أول اختبار تعرضت هذه الشراكة .
فقد رأينا كيف انصرفت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيسين ترامب وبايدن عن التفاعل مع الهجمات الخطيرة التي تعرضت لها السعودية والإمارات على فترات متباعدة، في وقت كانت هناك إشارات تفيد باحتمال وجود دورٍ إيراني مباشر في استهداف البلدين بالصواريخ البالستية والطيران المسير .
يحصل الحوثيون على عوائد مجزية جراء دخول سفن نقل المشتقات النفطية ميناء الحديدة، وتفريغ حمولتها في الميناء ومن ثم البدء بعملية بيع هذه المشتقات تحت أنظار جماعة الحوثي والاستفادة القصوى من عائداتها والإثراء منها منذ سريان الهدنة قبل نحو شهرين، دون أن تنفذ تعهداتها بتوريد عائدات الجمارك والضرائب إلى حساب خاص في البنك المركزي يدعم جهود استئناف صرف المرتبات لمئات الآلاف من الموظفين الذين يرزحون تحت سيطرة الحوثيين في ظل أوضع اقتصادية ومعيشية سيئة للغاية .
قد تبدو الهدنة مفيدة للسعودية والإمارات لأن الهجمات الصاروخية المنسوبة للحوثيين، وضعت المنطقة أمام تطورات بالغة السوء وشكلت اختباراً صعباً لمدى جهوزية البلدين للتعاطي مع هذا التحدي الخطير والتعامل مع أبعاده بما في ذلك إمكانية الاشتباك مع إيران .
لكن الهدنة لن تخدم في المدى المنظور حاجة السعودية والإمارات إلى الامن الاستراتيجي لأن الحوثيين سيحوزون مكاسب إضافية من وراء هذه الهدنة وسيتعزز مركزهم العسكري، وربما تدفع استراتيجية التمسك بالهدنة الأطراف إلى القبول بتثبيت الوضع القائم .
ليس هناك خيارات حتى الآن من شأنها أن تُعين الدولة اليمنية على مواجهة احتمال كهذا، فمجلس القيادة الرئاسي مشلول القدرات وهي نتيجة معاكسة لما يتوقعه أو يهدف إليه المجتمع الدولي من هذا المجلس الذي يُفترض أنه يعكس مستوى أوسع من التمثيل الوطني، لكنه للأسف لا يمثل بالنسبة للبعض سوى تثبيت للمشاريع الشاذة والمضادة لمصالح الدولة اليمنية .