الهدنة التي تكرس شروط الاستسلام للأمر الواقع.. هذا ما يسعى إليه الحوثيون .
لا بد من عمل يعيد للهدنة قيمتها في إنضاج شروط السلام الذي يتطلع اليه اليمنيون وهو إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية التي تمنع التسلط السلالي وخرافة الحق الالهي في الحكم، وخرافة الخلافة ، والاستبداد بكافة أشكاله .. والضامنة لحرية المواطن وخياراته السياسية .
الابتزاز الذي تتعرض له القضية اليمنية بعد كل هذه التضحيات كبير ، وغاية في الخطورة ، ويأتي الابتزاز من جهة تفسير سعي الحكومة وتحالف دعم الشرعية نحو السلام على أنه رغبة في الوصول إليه على أي نحو كان ، وهو ما يروج له أعوان الحوثي على نطاق واسع متناسين أن صمود مارب وكسرهم على أبوابها هي من جعلهم يعيدون بناء موقفهم من عملية السلام ، ويقبلون بهدنة طويلة .
ولكي يقلبوا الطاولة على المعنى الوطني والانساني لهذه الهدنة ، وما رافقها من خطوات ، راحوا يتغنون بها كمنجزات ، فإعادة تشغيل مطار صنعاء منجز لهم ، و كذلك تسهيل اجراءات تشغيل ميناء الحديدة ..الخ .
الحقيقة هي أن الحوثيين لم يكونوا يهتمون كثيراً بإعادة تشغيل مطار صنعاء ولذلك تمسكوا بحصار تعز ، كانوا يريدون أن تصر الحكومة على الربط بين الإثنين ليبدو الأمر وكأنها تجلد الشعب ببعضه اذا ما اشترطت إعادة تشغيل المطار بإنهاء الحصار ، وهو ما تنبهت له الحكومة ، لأن هذا ما كان يريده الحوثيون ليبقى المطار مغلقاً توافقاً مع رغبتهم ، وبهذا ظهر الحوثي على حقيقته ، ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن الحصار والانسانية في جزء من البلاد ، فإنه يمارس أبشع انواع الحصار على أكثر من ثلاثة مليون مواطن في ظروف غاية في البؤس والقسوة والمعاناة ، ثم يتبجح بإنجاز في مكان آخر .
كان تركيز الحوثي ينصب على بواخر النفط التابعة لشركاته ، وكان يعطل كل عمل الميناء ليبتز المجتمع الدولي تحت الضغط الشعبي ليسهل ادخال تلك البواخر . ولو أن الحوثي كان فعلا مهتماً بالجانب الانساني لما تعامل معه على ذلك النحو الذي انبعثت معه عفونة تاريخ لم تكن بينه بين والانسانية أي مودة من أي نوع كان .
الإفلاس السياسي غالباً ما يرتب معادلاً سلوكياً وأخلاقياً ينتهي بأصحابه إلى طريق مسدود . وربما أن جماعة الحوثي لا تدرك أن الحال لن يتوقف بها عند عتبة وهم المنجز الذي تعمل على تسويقه لتبدو الهدنة وكأنها خط النهاية الذي يتقرر عنده المنتصر .