الأنباء التي تتوالى عن خلافات أو تجاوزات إجرائية داخل مجلس القيادة الرئاسي، أساسها محاولات المجلس الانتقالي ورئيسه العضو في مجلس القيادة عيدروس الزبيدي الذي يدفع باتجاه تأسيس سلطة انفصالية بالاستخدام الانتهازي والوقح لإمكانيات الدولة اليمنية .
سلوك كهذا يعد الأخطر لأنه يضع السلطة الشرعية على حافة الانفجار والانهيار الكاملين، ولأنه يأتي بعد أن اُستنفدت كل الوسائل والتدابير من جانب التحالف والقوى اليمنية التي اضطرت للخضوع لإرادة التحالف في محاولة منها لحفظ كيان الدولة اليمنية من مؤامرات الداخل والخارج .
حينما يحاول عيدروس الزبيدي فرض سيطرة الانتقالي على القوات التابعة للشرعية التي كانت تواجه قواته الانفصالية في محافظة أبين عبر إجراء تعيينات هي من صلاحيات رئيس مجلس القيادة، فذلك يعني أن ما ينشغل به هو التأسيس للسلطة الانفصالية فيما يستمر إعلاميو الانتقالي في تصدير المواقف المتشنجة والرافضة للتعيينات القانونية والدستورية التي يجريها مجلس القيادة الرئاسي ممثلاً برئيسه خصوصاً القرارات الأخيرة داخل مكتب الرئاسة .
وما يتعين الالتفات إليه في سياق هذه الأزمة المفتعلة من جانب الانتقالي، هو أن المجلس الانتقالي ليس شريكا سياسياً بالمناصفة مع الشرعية حتى وفقاً لاتفاق الرياض الذي منحه 4 وزارات كأي طرف سياسي آخر .
أما داخل مجلس القيادة الرئاسي فإن عيدروس الزبيدي يعد واحد من ثمانية، فيما لا يمثل الثلاثة الجنوبيون الآخرون في المجلس خط الانتقالي الانفصالي، ولا يلتقون معه إلا في مسألة الولاء لدولتي التحالف، وهي مسألة يشترك فيها كل أعضاء المجلس الرئاسي .
أما الأمر الثاني الذي يتعين الالتفات إليه فيتعلق بدور دولتي التحالف في تفجر الصراع واستمراره بين شركاء الشرعية على النحو الذي نراه اليوم، لنصل إلى نتيجة مفادها بأن المجلس الانتقالي وأي طرف آخر في السلطة الشرعية الجديدة ليس لديه القدرة على التصرف المستقل والتحرك من أجل فرض خياراته وتحمل كلفها العسكرية والمالية والمخاطرة بالاتكاء على الولاء الشعبي، بعيداً عن إرادة دولتي التحالف أو دعمهما .
لقد اضطرت الامارات أن تتصرف أمام أنظار العالم كله كطرف منحاز ومدمر ومعادي للدولة اليمنية، في معركة لطالما حاول التحالف وضعها في سياق الصراع الدائر بين أطراف يمنية، عندما فشلت قوات الانتقالي في الاحتفاظ بعدن رغم الدعم العسكري السخي الذي تلقته من التحالف .
حدث ذلك في الـ10 من أغسطس/ آب 2019 حينها ضرب الطيران الإماراتي تجمعات لقوات حكومية كانت تستعد لدخول مدينة عدن وحسم المعركة ضد الانفصاليين في المدينة على وقع انتفاضة شعبية عارمة ضدهم من جانب أبناء المدينة .
وهذا الأمر يقودنا إلى تأكيد حقيقة أن التحالف لا يبدو أنه في وارد الضغط على الانتقالي ورئيسه للتصرف في إطار السلطة الشرعية الجديدة وتحت علم الجمهورية اليمنية .
والأخطر أن دولتي التحالف ربما تركتا عن عمد مساحة تحرك للانتقالي ورئيسه، من أجل الإبقاء على المشهد اليمني فوضوياً وغامضاً، وغير قابل للتوقع .
والتفسير المنطقي لموقف كهذا أنه ربما يعود إلى رغبة دولتي التحالف في تسوية المشهد اليمني وفقاً لأولوياتهما، ومنها على سبيل المثال إبقاء نفوذهما قوياً على الجغرافيا اليمنية ومصادرة الصلاحيات السيادية في أهم المواقع الاستراتيجية للبلاد وخصوصاً المنافذ البحرية والجزر ومضيق باب المندب، والأهم من ذلك هو تقوية الموقف الإقليمي لدولتي التحالف وهذا قد يستدعي الدفع بالتسوية إلى مستويات خطيرة من أهم ملامحها التمكين السياسي والأمني والعسكري للقوى المعادية للدولة اليمنية في شمال اليمن وجنوبه .
وهنا تتأكد لنا حقيقة أن السماح للمجلس الرئاسي الجديد بممارسة دوره من عدن، هو جزء من صفقة، الجزء الأهم منها كان هدم الشرعية نفسها والإطاحة بالرئيس المنتخب .
لذلك سيبدو من الصعب التنبؤ بحسن نوايا التحالف، الذي لن يعتني بشيء قدر عنايته باستمرار الدور الوظيفي للأدوات التي استثمر فيها طيلة سنوات الحرب ومنها المجلس الانتقالي .
مما يعني أن ترحيل المشاكل الجوهرية التي يعاني منها معسكر الشرعية سيظل التكتيك المعتمد من جانب التحالف لتحقيق أهدافه النهائية، التي من الواضح أنها تتعارض مع بقاء الدولة قوية بالقدر الكافي وموحدة بالقدر الكافي، إن لم يكن أسوأ من ذلك خصوصاً إذا بقيت حالة الشلل مهيمنة على أداء النخب السياسية وعلى عموم الشعب اليمني .