في ندوة ، نظمها الأسبوع الماضي في لندن مركز دراسات الخليج ، والتي خصص جانب أساسي في المحور الأول منها لدور ايران في المنطقة وقضية اليمن ، جلس الى جواري الباحث ستيڤ ماجوايين استرالي درّس علم الاجتماع في أكثر من جامعة عربية ، وحالياً متفرغ لإنجاز كتابه حول مرجعيات الحكم في الإسلام .
بعد أن انهيت مداخلتي التي تطرقت فيها لقضية السلام في اليمن والصعوبات البنيوية التي ستظل عقبة حقيقية أمام السلام ، والمتمثلة في هذه الفئة التي تدعي الاصطفاء ، وتتمسك بالأحقية في الحكم ، سألني لماذا لم تستطع اليمن ان تنشئ نظاما يستوعب هذه الفئة؟
قلت له هذه الفئة هي أكثر من استفاد من دولة الجمهورية اليمنية ، من حيث تبوئهم المناصب الكبرى والسيادية ، المشكلة لا تكمن في موقف الدولة منهم ؛ تكمن المشكلة في موقفهم هم من الدولة .. لا يوجد مركز قيادي في الدولة لم يكونوا يتواجدون فيه ، ولا يوجد حزب أو منظمة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية في اليمن إلا وكانوا جزءاً منها ..كان الكثير منهم قادة في هذه المنظمات ، وكانوا قادة في الجيش وفي الأمن العام والمخابرات العامة ، كانوا سفراء ، ووزراء ، كانوا تجاراً وقادة اقتصاديين ، كانوا اساتذة جامعات ، وقادة تربية وتعليم ، كانوا مستشارين لرؤساء الدولة المتعاقبين .
هناك من قبل أن يكون مواطناً وانخرط في بناء الدولة وأصبح جزءاً من عنوان عريض للتحول الاجتماعي والتنوع الثقافي والعرقي الذي شكل اللوحة الوطنية للبلاد ، وهناك من تمسك بالسلالة ، ونظرية الاصطفاء التي تحرض على العنف والتمسك بالحق الالهي ، وعدم الاعتراف بأي دولة لا يكونون حكاماً مطلقين فيها ؛ وإن حكموا عطلوا الدولة لصالح مشروعهم السلالي الاستعلائي . رفضوا الاندماج الاجتماعي وتمسكوا بالتميز على أكثر من صعيد ، ورافق هذا الرفض استخدام العنف ، وبناء مكونات عسكرية مليشاوية متمردة على الدولة دعمتها ايران في اطار مشروعها الطائفي التفكيكي ..
لم بسعفنا الوقت لاستكمال الحديث ، لكنه ضرب موعداً أن نلتقي في سبتمبر القادم حيث سيمضي ثلاثة اشهر في المكتبة البريطانية لمواصلة بحثه .
ثم أوجز حديثه بالقول إنه لم يكن يهتم كثيراً بهذا الفرع من نظرية الحكم في الاسلام ، فقد كان محور اهتمامه هو ما تناوله بعض المفكرين الاسلاميين أمثال محمد عبده ، والافغاني ، والغزالي .. وآخرين أمثال علي عبد الرازق ، وطه حسين ، ومحمود عكاشة . قلت له حتى هؤلاء لم يهملوا هذا النهج في تناولاتهم النظرية لأصول الحكم في الاسلام ، ولن تكتمل الصورة لديك الا بتفكيك مرجعياته إلى أصولها التي ارتبطت في التاريخ بمعارك عائلية في الاساس عكست حقيقة أن الحكم في الإسلام لم يرتبط بقبيلة أو بقوم ، أو فئة أو جناح أو جماعة منهما ، كما انه لم يتخذ مقاربة منهجية ملزمة ، بل ترك الحكم لاختيارات الناس .