يراد لليمن أن يكون سجنًا كبيرًا، بين ميلشيات حرب تفرض أمر واقع حاليًا، أو التباكي على نظام حكم هش في الماضي، لكن لا يريد أحد أن يفكر في المستقبل، إلا على هيئة نظام صالح أو لجنة الحمدي أو حكم الحزب أو إمامة بيت حميد الدين .
في المجتمعات الحية تصبح الحروب والتحديات منطلقا للإنجازات .
إذا أراد اليمنيون أن يفهموا ما الذي يعنيه النظر للواقع والماضي بعين المستقبل، عليهم أن يقرأوا تجربتين قصيرتين، لكن مؤشراتهما واضحة وهي تجربة رجب طيب أردوغان في تركيا وتجربة محمد بن سلمان في السعودية .
فالقيادتان خاضتا تجربة تطوير بلديهما في أوقات الحروب والتحدي، وليس في وضع استقرار .
فرغم الحرب التي خاضتها السعودية في اليمن، في وقت تتلقى إيران وميليشياتها دعما دوليا لتهديدها، إلا أن المملكة أطلقت رؤية 2030، وثمارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بدت ظاهرة للداخل والخارج، كما أطلقت الاستراتيجية الوطنية للصناعات السعودية التي ستضاعف الدخل غير النفطي .
تركيا هي الأخرى واجهت ذات التحدي الذي تخوضه السعودية حاليا، وإن كانت تجربتها مختلفة، لكن هو التحدي ذاته الذي جعلها تطور من اقتصادها وإنتاجها بالذات العسكري، في حين رفضت الدول الكبرى دعمها .
ورغم عدم وجود ثروات نفطية لدى الأتراك، إلا أنهم تحولوا إلى وسطاء يصدرون النفط والغاز بفعل سياسات ذكية .
بعد سنوات ستنافس السعودية وتركيا دول متقدمة في تكنولوجيا الصناعات الاقتصادية والعسكرية، ويبقى اليمن وسط خرافة المهدي المنتظر، ذلك المهدي الذي تنتظر له كل جماعة على ما تريد، فجماعة أرجعت الإمام وأخرى تبكي الزعيم وثالثة تذكرنا بالمخلص ورابعة تحلم بالخليفة، والبعض يبكي الاستعمار .
منذ بداية عودة الإمامة السلالية إلى صنعاء، نفذت عملية تجريف للهوية اليمنية، وفرض هوية طائفية لا تتلاءم مع عقائد وعادات وتقاليد اليمنيين .
والمؤسف أنه خلال سنوات الحرب لم تتغير المناهج الحكومية في المناطق المحررة لتدعيم الهوية اليمنية .
يعتقد الحوثيون أن أي اتفاق سياسي قادم سيحافظ على رموز هويتهم التأريخية والميلشاوية في المناهج التعليمية، كلما كثفوا التجريف، فكيف يقبل اليمنيون التخلي عن هويتهم، خاصة وقت الحرب لم نر من الجهات الرسمية أي اهتمام بها .