منذ أن انقلبت جماعة الحوثي على شرعية الدولة بالعنف وبقوة السلاح، وعطلوا التوافق السياسي الذي وضع المبادئ الأساسية لإقامة الدولة الوطنية الضامنة لحقوق الشعب بكل فئاته وانتماءاته، وميليشيات الحوثي تصوغ مشروعها السلالي الطائفي بالإرهاب والبطش كأي جماعة تعمل على فرض مشروعها الخاص على المجتمع بالعنف .
كان ذلك برهاناً أولياً على الطبيعة الإرهابية لهذه الجماعة، فهي في بنيتها الفكرية دوغما ، متطرفة ، بأبعاد عرقية سلالية تجندها في معركة إخضاع المجتمع للقبول بأنها جماعة ذات دم خاص ومميز يضعها فوق المواطن والوطن والمواطنة ، وهو ما يستتبعه منحها الحق في استخدام العنف لفرض هذه الظاهرة الشاذة وتكريسها كحقيقة لا تقبل الجدل .
لم يستوعب المجتمع الدولي حقيقة هذه الجماعة منذ اليوم الأول ، ونظر إلى ما أقدمت عليه من منظور سياسي على أنه انقلاب على شرعية الدولة يمكن حله بأدوات سياسية ، لذلك جاء قرار مجلس الأمن ٢٢١٦ لعام ٢٠١٥ ليعطي فرصة للمجتمع الدولي للتوصل إلى حل يستعيد التوافق الوطني بالقواعد التي تم الاتفاق عليها في المرجعيات الثلاث .
حكم هذا القرار الدولي مسار الحل ، وعلى الرغم من أهميته في التعبير عن جدية ووجاهة الموقف الذي اتخذه المجتمع الدولي تجاه التمرد الحوثي المدعوم من إيران على شرعية الدولة والتوافق السياسي ، إلا أنه ظل حزام أمان للحوثي حيث إنه أعطاه صفة التمرد السياسي الذي يجعله طرفاً في أي حل سياسي وأبعده عن صفة الإرهاب .
هكذا سارت الأمور، ورأينا كيف وظف ذلك في أهم محطة في الحرب حينما كانت الدولة على وشك استعادة الحديدة وموانئها
عام ٢٠١٨، وكيف أن اتفاق ستوكهولم شكل نقطة تحول في معادلة الصراع والمعركة على السواء على نحو بدأت فيه الجماعة تعيد بنا نفسها على قاعدة اتفاق شهده وكفله المجتمع الدولي، وضمن لها مساحة أوسع في المناورة والتحرك العسكري واللوجستي .
لكنها ، وهي تنعم بذلك المناخ ، الذي تمكنت فيه من تصفية جيوب المقاومة في المناطق التي تسيطر عليها في حبور ظليمة ووادي بنا والعود حتى حدود مريس وغيرها من مناطق المقاومة الأخرى التي قمعتها بعنف استخدمت الصواريخ البالستية على أكثر من قرية ، فإنها أخذت تمارس القمع السياسي والفكري والديني والثقافي على نطاق واسع ، وراحت تغير ملامح المجتمع بقوة السلاح ، وتفرض أنماطاً محددة من السلوك الاجتماعي يتفق مع بنيتها الفكرية والسياسية والسلالية ، وتغير في المناهج الدراسية تغييراً جذرياً يتفق مع منهج الحكم الذي تسعى إلى تكريسه ، وأخذت موقفاً معادياً من حقوق المرأة ، ومن الصحافة ، ومن هامش الحرية في الجامعات .
اعتقلت الكثيرين، واختطفت الأكثر، ورمت بهم في غياهب السجون بتهم مختلقة، لا لشيء إلا لأنهم لم ينخرطوا في متاهاتهم واحتفظوا لأنفسهم بقدر من احترام الذات ، وهو ما لا تقبله هذه الجماعة ، مارست التجويع بنهب موارد الدولة في مناطقها ، ورفضت دفع المرتبات ، كما صادرت المعونات الدولية في عمل فضح سلوك قياداتها ، كل ذلك تحت شعار : كل شيء من أجل المعركة ، في حين أن المجتمع يلاحظ كيف أثرى قادة الجماعة على نحو مسرف تجاوز كل الحدود .
وهكذا أخذت البنية الإرهابية لهذه الجماعة تتجلى في مظاهر السلوك القمعي للمجتمع ومحاولة إذلاله وتحويله بالعنف والتجويع لمصلحتها .
وأخذ المجتمع الدولي يراقب تجليات هذه البنية الإرهابية للجماعة ويقتنع تدريجياً بأنها لا تستطيع أن تكون جماعة سياسية بالرغم من كل المحاولات التي بذلها معها كي تقف على أرضية سياسية تستطيع معها أن تعبر عن الحقوق السياسية لمن تدعي تمثيلهم، كما أن وظيفتها في إطار المشروع الإيراني في المنطقة جعلها مجرد منصة لإطلاق المسيرات والصواريخ الإيرانية ضد الأهداف المدنية لدول المنطقة .
استخدمت الصواريخ البالستية والمسيرات في المعارك الداخلية، فقصفت القرى والمدن ، وقصفت مطار عدن الدولي بالصواريخ ، وكذلك مصافي عدن ، وكثير من المنشآت المدنية وعبرت بذلك عن هويتها الإرهابية .. وترافق كل ذلك مع رفضها للحل السلمي .
إزاء هذا الوضع أخذ المجتمع الدولي يدرك حقيقة أن الجماعة ذات بنية إرهابية، وأن محاولة وضعها على خارطة الحياة السياسية مستحيل ما لم يحدث تغيير جذري في بنيتها الفكرية المتطرفة، وناقش موضوع تصنيفها كجماعة إرهابية.
هناك من صنفها كجماعة إرهابية، وهناك من أراد أن يعطيها فرصة فتحدث عن أعمالها الإرهابية كمرحلة أولى .
كانت الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي وضعتها على قائمة الإرهاب، ثم جاءت الإدارة الديمقراطية بدوافع مقترنة بمشروع لها عن السلام عينت بموجبه مبعوثاً إلى اليمن، مع تبرير بأن تصنيفها جماعة إرهابية لن يتيح فرصة للحديث عن السلام.
قبل العالم هذا التبرير على مضض، ومنذ سنتين وسلوك المليشيات الحوثية لم يتغير، كل يوم تثبت للعالم أنها ولدت إرهابية ولا تستطيع أن تكون غير ذلك.. رفضت الهدنة، وترفض السلام، وتهدد بتفجير خزان صافر في وجه العالم وتواصل قصف المنشآت المدنية الحيوية اليمنية بالصواريخ والمسيرات الإيرانية كما حدث مؤخراً في حضرموت وشبوة، مع إصرار على التمسك بهذا المنهج الإرهابي الذي يعكس بنيتها الإرهابية .
في تقديري أن مجلس الدفاع الوطني بقراره كان يذكر العالم بأن هذه الجماعة الإرهابية التي طلبتم التفاهم معها على قاعدة التفاهمات السلمية مصرة على الاستمرار في سلوكها الإرهابي ، ولم يعد الأمر يحتمل هذا التسويف الذي لا يتفق مع مسؤولية المجتمع الدولي في إنقاذ اليمن من المشروع الإرهابي الذي تقوده إيران في المنطقة ، وحتى لا يبدو وكأن المجتمع الدولي يكيل بأكثر من مكيال حينما يتعلق الأمر بما تواجهه الشعوب من محن فإننا نعتقد أن اليمن بلد يستحق من العالم أكثر من مجرد تصريح بإدانة مثل هذه الأعمال الإرهابية التي تنفذها إيران في اليمن من منصات حوثية .