التطور الأبرز الذي شهدته ساحة الحرب، في أعقاب هدنة هي الأطول في تاريخ الصراع العبثي الدائر في اليمن، تمثل في الهجوم الحوثي قبل عشرة أيام على ميناء "ضبة" المخصص لتصدير النفط المستخرج من محافظة حضرموت، والذي باتت معه المواجهة انتقائية وبارتدادات مريحة على الجماعة الانقلابية في صنعاء، وشديدة الكلفة على الشرعية التي تتخذ لها من مدينة عدن في جنوب البلاد مقراً غير آمن ومحفوفاً بالمخاطر.
فهذا الهجوم وضع السلطة الشرعية والتحالف الداعم لها في وضعية استثنائية، لأنه عرَّى الادعاءات التي يصدرها إعلام التحالف وأتباعه في الداخل، والتي تتحدث عن تحرر المحافظات الجنوبية من الوجود العسكري لجماعة الحوثي، ومن تأثير الضغط العسكري الذي تمثله على قوات الشرعية في جبهات التماس الرئيسة الواقعة في شمال البلاد.
وأكثر ما يثير الانتباه في هذا الخصوص، التصريح الفج الصادر عن ما تسمى هيئة التشاور والمصالحة المحسوبة على المجلس الانتقالي، والتي طالبت من وصفتهم بشركاء الانتقالي في المجلس الرئاسي بالتسليم باستقلال الجنوب، لضمان الحصول على دعم عسكري من الجنوبيين لتحرير صنعاء. ومعروف أن هيئة التشاور والمصالحة يخطط التحالف لتثبيتها كسلطة تشريعية بديلة لمجلسي النواب والشورى، لضمان هيمنة المشروع الانفصالي عليها.
أثار رد فعل مجلس الأمن الدولي المندد بذلك الهجوم والذي وصفه الإرهابي؛ ارتياحاً بادياً لدى كل من السعودية والحكومة الشرعية التابعة لها، بالنظر إلى أن بيان كهذا مر عبر المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورانتس، على الرغم من التوتر الحالي في العلاقات السعودية الأمريكية، على خلفية السياسة غير المسبوقة التي انتهجتها السعودية لحماية مصالحها النفطية عبر تخفيض الإنتاج لحفظ على التوازن في السوق الدولية.
ذلك الهجوم كان قد دفع مجلس القيادة الرئاسي الذي فرضته السعودية كرأس جديد للشرعية في اليمن، بدلاً عن الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، إلى إصدار قرار غير مسبوق بتصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، وبدا ذلك تفاعلاً منطقيا مع توجه سعودي يدعو إلى إعادة تصنيف الجماعة منظمة إرهابية من قبل المجتمع الدولي، أكثر من كونه توجهاً مستقلاً من جانب مجلس القيادة الرئاسي الذي يعاني من انقسام رأسي منذ اللحظة الأولى لانتقال السلطة إليه، رغم أنه يأتي رداً على الهجوم الحوثي الإرهابي على ميناء "ضبة" النفطي.
ما من شك في أن بيان مجلس الأمن بشأن الهجوم على الميناء النفطي في حضرموت قد توافق بالكامل مع قرار المجلس الرئاسي، وهو ما أثار حنق الحوثيين وانزعاجهم الشديد، ودفعهم في المقابل إلى مطالبة مجلس الأمن بالعمل على "إصدار قرار جديد مُلزم" يهيئ المناخ للبدء في ما وصفه بيان للجماعة "مفاوضات تسوية سياسية سلمية وصولاً إلى سلام شامل يحافظ على وحدة واستقرار أراضي اليمن، وإقامة علاقات جوار سليمة قائمة على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
أكثر ما تحرص عليه جماعة الحوثي من وراء هذه الدعوة (المناورة) هو دفع مجلس الأمن إلى تبني قرار تأسيسي جديد للأزمة والحرب، يقوض تقريباً كل القرارات السابقة وفي مقدمتها القرار رقم (2216)، الذي يطالب الجماعة بتسليم السلاح وإنهاء كل مظاهر الانقلاب على السلطة الشرعية، بما في ذلك الانسحاب من المؤسسات وتسليمها إلى الحكومة، والانخراط في محادثات لاستئناف عملية الانتقال السياسي السلمية.
يأتي ذلك فيما يمارس رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي من قصر معاشيق في العاصمة المؤقتة عدن؛ صلاحياته في غياب الشخصية الأكثر تأثيراً في هذا المجلس، وهو عضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، الذي يقضي إجازة عائلية في أبو ظبي، ويشغلها من وقت لآخر بلقاءات مع ناشطين ومعلقين سياسيين خليجيين يغردون خارج سرب الأزمة اليمنية، ويقدمون إسناداً دعائياً للمشروع الانفصالي الذي يتبناه التحالف بكل الإمكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
يبدو غياب الزبيدي كما لو كان جزءا من الترتيبات الهادفة إلى تمكين مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه على وجه الخصوص؛ من العمل على تنفيذ الاستحقاقات الوطنية المنتظرة من هذا المجلس.
لكن ذلك لا يعدو كونه ضرباً من الاستخدام المريح لنفوذ التحالف على هذا المجلس وأعضائه، وهو أمر نراه في التغيرات الأمنية التي تجري في قصر معاشيق، حيث يجري تعزيز الحماية الرئاسية بالإمكانيات العسكرية، دون حسم واضح لمشكلة الحراسة التابعة للمجلس الانتقالي والتي صدرت عنها تصرفات مسيئة لأعضاء مجلس القيادة طيلة الأشهر الماضية.
فخلال الأيام الماضية ترددت أنباء حول وصول العشرات من القوات الإماراتية إلى مقر القصر وانسحابها بعد فترة قصيرة، ليجري الحديث بعدها عن وصول آليات عسكرية سعودية، أفادت مصادر بأنها مخصصة لتأمين الحراسة الخاصة لأعضاء المجلس ولتحركاتهم في العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
يأتي ذلك فيما أجرى الدكتور رشاد العليمي لقاء مع رئيس ونائب وأعضاء اللجنة العسكرية المكلفة بتوحيد القوات العسكرية والأمنية، إذ يتوقف على جهد هذه اللجنة نجاح مجلس القيادة الرئاسي أو فشله، وهذا يعني أن الحلول الترقيعية للتحالف التي تحاول أن تصدر الأمن عبر قواتها إلى العاصمة المؤقتة للشرعية، لا يمكن أن تكون بديلاً عن تحول جوهري في مستوى نفوذ هذا المجلس ورئيسه، والذي ينبغي أن يتأسس على قوة عسكرية وأمنية وطنية يمنية متحررة من المشاريع المعادية والمهددة لكيان الدولة اليمنية.
وعدا ذلك ستظل الشرعية ومعها الدولة اليمنية رهينة تغول مشروعين مهددين بشكل خطير لوجود هذه الدولة، وهما المشروع الإمامي الطائفي للحوثيين، والمشروع الانفصالي للمجلس الانتقالي المدعوم من التحالف.
نقلاً عن موقع عربي 21