أكثر ما لفت نظري في ردود الأفعال المتوالية التي صدرت إثر فرض الجماعة الانقلابية المتمردة في صنعاء ما بات يعرف بـ:" مدونة السلوك الوظيفي"، هي تلك التي صدرت عن شخصيات هي في الحقيقة جزءٌ من منظومة هذه الجماعة أو منخرطة بشكل كامل في مشروعها السياسي.

بعض هذه الشخصيات تُصنف على أنها من آباء هذه الجماعة، وبعضها جزء من تحالف سياسي واسع نسجته إيران على مدى سنوات، حول ذراعها الطائفي في اليمن، وتأسس على مخاوف من إمكانية سيطرة الإسلاميين وفي القلب منهم حزب الإصلاح على السلطة، وما قد يحدثه من ضغط على قناعات الناس الفكرية، والأيديولوجية، والمذهبية، والسلوكية.

تأتي المدونة السلوكية المفروضة من الجماعة الانقلابية المتمردة في صنعاء لتشكل تهديداً للمساحة الرمادية التي ظل اليساريون والقوميون يتحركون فيها ويمارسون ضمنها حياة عادية في صنعاء، ويزاولون الوظيفة العامة بمرتب متعثر، ويناورون أحياناً من أجل الانتقال إلى الجهة الأخرى من الصراع، حيث الحياة أرغد، وحيث لا يكلفهم ذلك الانتقال في العادة أية تنازلات، لا بل يفسح لهم المجال للنيل المريح والاستعراضي من خصوم الحوثي والتحالف معاً.

مدونة السلوك لم تُبق لأصحاب هذه المنطقة الرمادية من خيار سوى المواجهة المفتوحة مع الجماعة الانقلابية الطائفية، والتي قد تترتب عليها كُلفٌ باهظة على المعترضين، والذين أبدوا شجاعة جديرة بالتقدير والاحترام رغم المخاطر المحدقة بهم.

لكن دعونا ونحن نواجه مدونة التمكين السلوكية للجماعة الانقلابية بتضامن وطني واسع أن ننبه إلى وجود مدونة مشابهة سارية لكن غير مكتوبة، فرضها التحالف والمنظومة السلطوية المرتبطة به في الشرعية.

 هذه المدونة أقصت نحو 80 بالمائة من الشعب اليمني من حسابات التحالف والتزاماته، وأمنت نطاقاً ضيقاً للسلوك والتفكير لا يسع إلا للانتهازيين والمتواطئين وعديمي الضمير، وأولئك الذين أبدوا استعدادا ليكونوا وقوداً للمشاريع المعادية للدولة اليمنية وفي طليعتها المشروع الانفصالي، ومشاريع السلطة الجهوية والعائلية.

مدونة السلوك الموازية وغير المكتوبة التي تسهر عليها استخبارات التحالف تُحدث الأثر نفسه من الشلل في المشروع الوطني وتجعله أكثر استسلاماً للأجندات الخارجية والتصورات الخطيرة بشأن المستقبل المنتظر اليمن والأفهام والألغام التي تتهدده، تماماً كما تفعل مدونة السلوك الطائفية المفروضة من قبل الجماعة الانقلابية المتمردة في صنعاء.