في الأول من هذا الشهر كشف محافظ تعز نبيل شمسان؛ النقاب عن أعمال إنشائية لمطار المخا الواقع في الساحل الغربي لمحافظة تعز باليمن، وفي الرابع والعشرين من هذا الشهر كان عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق محمد عبد الله صالح، يتحدث من أرضية المطار مستقبلاً أول رحلة مدينة لطائرة تابعة للأمم المتحدة، ومبشراً بالمطار الذي ستستكمل منشآته ومرافقه تباعاً وسيخدم محافظتي تعز وإب.
كان حديث محافظ تعز قبل 24 يوماً يشمل إجراءات أخرى منها إنشاء فرع للهيئة العامة للهجرة والجوازات والجنسية، وهي خطوة تتكامل تماماً مع الدور المفترض لأهم مرفقين حيويين في مدينة المخا، هما الميناء البحري والمطار الجديد، علماً بأن المطار أنشئ دون أن يكون جزءا من خطة حكومية أو بتمويل من الحكومة.
كما أن محافظة تعز ليست قادرة على توفير دعم مالي لمشروع كهذا، مما يعني أن المطار يأتي في سياق مخطط ينفذه التحالف. ولهذا المعطى قراءته التي سيتهم بها هذا المقال، بما يسمح باستيعاب الدلالات الحقيقية لمطار نعتبره إنجازاً مهماً ولو بالحد الأدنى، لما سيوفره من تسهيلات للمسافرين من وإلى محافظة تعز المحاصرة.
حديث المحافظ، أراد أن يحملَ عن طارق مسؤولية التصرف في معزل عن إرادة المحافظة والحكومة، واللافت هو سكوت كل المستويات الحكومية والقيادية العليا عن الحديث حول المطار، ليتولى المحافظ نبيل شمسان التبشير باقتراب موعد افتتاح مطار لم يسبق أن أُعلن عنه من قبل، والحقيقة أن المطار يعكس التوجهات الاستراتيجية لتعامل التحالف مع منطقة باب المندب وجنوب البحر الأحمرٍ.
فالتحالف من الواضح أنه يتجه عملياً نحو تكريس جنوب البحر الأحمر كياناً منفصلاً تحت مظلة الدولة اليمنية بالغة الهشاشة، لأن من شأن ذلك أن يسهل استكمال تنفيذ مخطط التحالف الهادف إلى إخضاع باب المندب لإشراف إقليمي ودولي.
لذلك يسارع التحالف الخطى لضمان توفير فضاء جيوسياسي مستقل حول باب المندب، يدين بالولاء الكامل للتحالف، ولا يعاني من أية نتوءات أو تحديات وسلوك مناوئ.
ومن متطلبات هذه الاستقلالية، وجود منافذ بحرية وجوية لتحرير حركة الناس وتجارتهم من هيمنة الفضاءات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الجماعة الانقلابية في صنعاء أو المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، إلى جانب تعزيز قدرة هذا الفضاء الجيوسياسي العسكرية، وتسييجها بقدرات بحرية وجوية للتعامل مع التحديات.
على مسافة لا تزيد عن 30 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة المخاء وبالتحديد في جزيرة ميون التي تتوسط مضيق باب المندب، أنجز التحالف والإمارات على وجه الخصوص مطاراً عسكرياً، وباشر بتهيئة الجزيرة لدور عسكري، مع استرضاء العدد المحدود من السكان الذي لا يزيد عن 450 مواطناً بعدد من الوحدات السكنية الجديدة.
وإذا كان مطار ميون ذا طبيعة عسكرية محضة فإن مطار المخا مخطط له أن يؤدي مهمة مزدوجة عسكرية ومدنية، وربما هدف التركيز على الدور المدني للمطار للتغطية على دوره العسكري، الذي يراد له أن يعزز المكانة العسكرية للقوات المشتركة التي يقودها العميد طارق صالح، وتحصين المنطقة أمام مواجهة محتملة مع الحوثيين، وتعظيم الإمكانيات العسكرية التي تسمح للعميد طارق بفرض سيطرته المباشرة على عمق محافظة تعز كما يخطط لذلك التحالف ويطمح إلى تحقيقه، علماً بأن توجها كهذا واجه صعوبات ناجمة عن تمنع القوات التابعة للحكومة التي تتولى مواجهة والتصدي للمسلحين التابعين للجماعة الانقلابية المدعومة من إيران، ورفضها السماح بنشر قوات تابعة للعميد طارق جرى تدريبها في كل من المخاء وفي القاعدة الإماراتية بميناء مصوع الإريتري.
وإلى جانب تعزيز المكانة العسكرية وتوسيع مجال النفوذ لسلطة طارق المنفصلة في جنوب البحر الأحمر، يأتي هذا المطار ضمن توجه هادف إلى تعظيم المزايا التي تتمتع بها سلطة طارق المنفصلة على حساب القوى الموجودة في تعز، وتحويل هذا الجزء من تعز إلى المنطقة المفيدة بالفعل.
فالخدمات التي سيقدمها المطار إلى جانب الميناء، من شأنها أن توفر مصدر دخل مستقل لهذه السلطة، بالإضافة إلى أنهما سيمكنان سلطة طارق من ممارسة نفوذ مرتبط بشكل مباشر بمصالح الناس وحاجتهم للتجارة، والانتقال بعيداً عن المضايقات التي تواجههم في كل من عدن والحديدة، رغم أنه ما من ضمانات لأن يتحول مطار المخا إلى وسيلة تعزز الرقابة على الناس والتحكم بمصائرهم، كما تفعل كل الكيانات المستقلة في ظل دولة هشة في كل من صنعاء وعدن والحديدة.
هناك تدابير عديدة ينخرط فيها محافظ تعز نبيل شمسان لإظهار أن كل ما يجري في المخا ليس سوى إنجازات ضمن خطة السلطة المحلية لمحافظته، أو بالتكامل معها، وهي في المحصلة من المنح الجزيلة التي تكفل بها عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح الذي أسس منذ 2017، سلطة عسكرية وسياسية مستقلة في المخا بدعم من التحالف، وظل يتبنى موقفاً غامضاً من السلطة الشرعية ورئيسها هادي الذي خول صلاحياته الرئاسية مرغماً وفي ظروف عصيبة لمجلس قيادة رئاسي أصبح العميد طارق عضواً فيه.
*عربي 21