;
د.ياسين سعيد نعمان
د.ياسين سعيد نعمان

القضية الجنوبية وعلاقتها باستقرار اليمن في ذكرى الاستقلال 2 830

2022-12-16 22:40:07

- الحلقة رقم ٢-

المرحلة الثانية

وتبدأ مع قيام الوحدة بين الدولتين في ٢٢ مايو ١٩٩٠. وهناك من يرى أن "القضية الجنوبية" تبدأ من هذا التاريخ بسبب أن الوحدة المعلنة، كما يقولون، جرى سلقها على عجل دون مراعاة الشروط الضرورية والكافية لنجاحها. ويتحدث هؤلاء عن اهتمام قيادتي الدولتين فقط باقتسام السلطة والوظائف دون رؤيا استراتيجية لبناء دولة الشراكة الوطنية بقواعد دستورية وقانونية واضحة. ويقول هؤلاء إن قيادة دولة الجنوب المتمثلة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لم تأخذ رأي شعب الجنوب في الوحدة، بل رتبتها من وراء ظهره.

وهذا المنطق لم يظهر سوى بعد سنتين من إعلان الوحدة ولأسباب ارتبطت ارتباطاً قوياً بالتحريض على القيادة الجنوبية التي حققت الوحدة في مسعى لإضعاف موقفها في المواجهة التي بدأت مع قيادة صنعاء بخصوص بناء دولة الوحدة.

shape3

وفي حين شجعت قيادة صنعاء ودعمت مثل هذا التحريض لإحداث انشقاقات في الصف الجنوبي، أخذ البعض يوظف ذلك التحريض ويفبرك المزيد منه لبلورة "القضية" في نسق من المفاهيم التي استهدفت إدانة القيادة الجنوبية وصولاً إلى إدانة الوحدة، وتهيئة الأرضية السياسية والاجتماعية للحرب وتصفية شريك الوحدة السلمية في أسوأ خيانة سياسية وأخلاقية عرفها التاريخ السياسي اليمني.

والملفت للانتباه أنه مع كل مرة تطرح فيها هذه القضية على نحو معاكس لطابعها الوطني فإنها تتحول إلى محور ائتلافي لكل القوى التي كان لها حسابات خصومة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؛ وكانت قيادة الجمهورية العربية اليمنية فيما بعد الوحدة تقدم الذرائع لبلورة القضية بهذا المفهوم المشوه، وبصورة غير مباشرة، نكاية بالحزب الاشتراكي ودولة الجنوب التي توحدت معها.

فبعد الوحدة مباشرة كرست القيادة في صنعاء وأجهزتها حملة واسعة تتفق مع المنطق الذي يقول إن الوحدة سلقت سلقاً، وأخذت تردد على نحو واسع أن قيادة الجنوب هربت إلى الوحدة مضطرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وكان الهدف هو كسر مكانة الشريك الآخر في هذه العملية التاريخية، وإظهاره بأنه لم يأت إلى الوحدة إلا مجبراً. وبطبيعة الحال فإن هذا يضع فارقاً عملياً بين إرادة "قيادة هاربة" من مصيرها إلى " الملاذ الآمن!!"، وإرادة شعب لم تأخذ هذه القيادة رأيه لانشغالها بنفسها، حسب محتويات الحملة.

كانت الحملة التي قادها جهاز نظام صنعاء الإعلامي والاستخباراتي، بصورة مكثفة ومركزة، سبباً أساسياً في إرباك ركن أساسي من أركان الوحدة وهو ركن "الإرادة"، أي إرادة وأهلية التوقيع المحمولة بالتفويض الدستوري والقانوني في تمثيل مصالح شعب الجنوب في دولة الوحدة.

كانت الحملة مزيجاً من العمل الإعلامي التحريضي والتهريج، (ومن ذلك مثلاً أن قيادة الجنوب طلبت أن تغادر صنعاء القيادات الجنوبية التي جاءت إلى الشمال بعد كارثة ١٩٨٦، وهو أمر لم يحدث بالمطلق، ولم تتخذ قيادة الدولة الجنوبية أي قرار بشأنه، بل بالعكس كانت قد أرسلت من يفاوض تلك القيادات قبل الوحدة وكنت واحداً ممن كلف بهذه المهمة ) . كما أن الحملة الإعلامية ركزت على أن القيادة الجنوبية لم تأت إلى الوحدة إلا هروباً، وظلت تستعبط وعي الناس بتوظيف ما حدث في المعسكر الاشتراكي من تغيرات ليبدو الأمر وكأنه لم يكن هناك مفر لدولة الجنوب سوى الذهاب إلى الوحدة، وتحول هذا الاستعباط إلى معزوفة يرددها كثير من السياسيين بقوالب مختلفة من الصياغات التي تبرز المشاركة في حملة التشويه التي هيأت لحرب ١٩٩٤ أو عملت على تبريرها. لم تكن تلك الحملات تستند على أي براهين سياسية أو اقتصادية أو معنوية من أي نوع كان من شأنها أن تجعل أي عاقل يقبل أن الشمال يومذاك كان ملاذاً آمناً لأية قيادة كي تهرب إليه ، فقد كانت الأوضاع الاقتصادية في الشمال أسوأ بما لا يقاس بالمقارنة مع الجنوب ، حتى إن ضمانات البنوك التجارية كانت تعاد من الخارج بسبب عدم قدرة البنوك التجارية في الشمال على تغطية تعهدات المستوردين ؛ وسلمت شخصياً مستندات بخصوص هذا الموضوع لرئيس وزراء الشمال حينها الأخ عبد العزيز عبد الغني أثناء لقاءنا في تعز لمناقشة بعض الترتيبات الخاصة باختيار عملة جديدة وبإعلان عدن عاصمة اقتصادية ، وهما الموضوعان اللذان تمت المماطلة بتنفيذهما حتى قامت الحرب ودفنا تحت أنقاض الوحدة السلمية مع غيرهما من القضايا التي رفضت صنعاء تنفيذها كإلغاء النظام المركزي والأخذ بالحكم المحلي ، وتوحيد التعليم على قاعدة القانون الجديد ، وإخلاء المدن من السلاح ، والتمسك بمكتسبات قانون الأسرة ، وغيرها من القضايا التي ارتبطت ببناء دولة الوحدة .

لقد فتحت هذه الحملات ثغرة هامة في جدار الوحدة، وتدفقت منها أسئلة كثيرة حول شرعية هذه الوحدة. فإذا كانت صنعاء لا ترى في الطرف الآخر" الشريك" إلا هارباً يجب التعامل معه كضيف، فكيف سيتم ترتيب أوضاع دولة الوحدة وشراكتها في وضع كهذا!!

أي أن على هذا " الضيف" أن يقبل ما يعرض عليه فقط، ولا يجوز له أن يفكر أبعد من ذلك . يتبع

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد