;
د.ياسين سعيد نعمان
د.ياسين سعيد نعمان

القضية الجنوبية؛ إلى أين؟ 7 924

2022-12-21 21:17:12

الحلقة رقم ٧

لقد كانت مظاهر هذه الأزمة العامة مركبة، ولم يخل الجنوب وحراكه السلمي منها لأسباب سياسية وتاريخية وثقافية.

وهو ما عطّل، وسيظل يعطل استكمال ديناميات القضية على النحو الذي من شأنه أن يجر جانباً كبيراً من منظومتها إلى التصادم المستمر بدعاوى مختلفة، وبتأثير العوامل التي كانت دائماً سبباً في الصراع الجنوبي - الجنوبي.

shape3

لقد جعل الكثيرون، على سبيل المثال، من أحداث ١٩٨٦ المأساوية وتداعياتها سبباً في جر الجنوبيين إلى صدامات مستمرة بتحويلها إلى محطة استقطابات وانقسامات مناطقية.

 والحقيقة أن هذه الانقسامات تحاول أن تأخذ وجهاً سياسياً ولكن على نحو لا يستقيم معه واقع أن الخلاف السياسي لا يتجذر بذلك القدر الذي يكون عليه ذلك النوع الآخر من الخلاف الذي تتحكم به وتحركه العصبية وثقافة الثارات والمصالح الشخصية المشوهة. لقد حاول الحراك السلمي أن يدفع بالتصالح والتسامح إلى المستوى الذي تفاعلت معه كافة الأطراف على نحو إيجابي، لكن كمائن كثيرة ظلت تتربص بهذه العملية حتى اليوم.

إن هذه الحقيقة هي جزء من بنية القضية الجنوبية التي لا يمكن أن تأخذ بعدها في الوعي السياسي الجنوبي دون مغادرة ملابسات الماضي، وما أنتجه من تحديات وصعوبات، وذلك عبر حوارات تتجاوز هذه التحديات.

كان من الممكن أن يكون مؤتمر الحوار الوطني عام ٢٠١٣ منصة تاريخية هامة لعرض قضية الجنوب بصورة موحدة ، لكن قسم من الحراك كان له رأي مخالف لهذه الحقيقة ، والجزء الذي شارك انقسم واختلف ؛ وكان الحزب الاشتراكي منسجماً مع رؤيته الكفاحية لمضمون ومحتوى القضية الجنوبية ، وقدم تلك الرؤيا التي شرح فيها مفهومه للقضية واقترح الحل على أساس دولة اتحادية من إقليمين ، كل إقليم منهما يتكون من الدولة السابقة للوحدة ، وتمسك بحق تقرير المصير للجنوب (وهو ما أكده بعد ذلك الكونفرنس الحزبي المنعقد نهاية عام ٢٠١٤ ) ، ورفض تقسيم الجنوب إلى إقليمين ، وهو المقترح الذي تقدمت قيادات بعض الأحزاب مباشرة في بداية انعقاد مؤتمر الحوار ، بمن فيهم جنوبيون ، وكان الهدف منه ترحيل المشكلة إلى الجنوب ، وهذا بطبيعة الحال يعكس ذلك القدر من التحديات التي لا يمكن تجاهلها حينما يتعلق الأمر بمحاولة تسويق الحل بخطاب لا زال في حاجة إلى مزيد من التأهيل ليكون في مستوى التحديات التي تواجه القضية .

أخذت القضية تُستقطب بخطابين متطرفين كل منهما في مواجهة الآخر، لم تنفع معهما محاولات إيجاد مقاربات سياسية تساعد على تصحيح المسار من خلال المشاركة الحقيقية للناس في تقرير خياراتهم السياسية.

كان من تلك المحاولات أن شكل رئيس مؤتمر الحوار الرئيس هادي لجنة أواخر أيام مؤتمر الحوار الوطني من كل د. عبد الكريم الإرياني، الأستاذ محمد اليدومي، اللواء خالد باراس ، د. ياسين سعيد نعمان إضافة إلى المبعوث الأممي يومها جمال بن عمر لوضع صيغة تسمح بمناقشة قضايا الخلاف حول الجنوب بعيداً عن التشدد والاستقطاب ، وتمكن "لجنة الثمانية" التي شكلها مؤتمر الحوار للوقوف أمام القضية الجنوبية الوصول إلى توافق يبقي النقاش حول القضية مفتوحاً لمزيد من تأهيل الحل .

اجتمعت اللجنة وتوصلت إلى مقترح يقضي بضرورة مواصلة البحث والمشاورات مع كل الأطراف الجنوبية لإنضاج الظروف وعدم التمسك بالتقسيم الإداري للأقاليم على النحو الذي سارت عليه الأمور ، ورأت اللجنة أن على مؤتمر الحوار أن يواصل بحث هذه المسألة على أن لا يمارس عليه أي ضغط لفرض حلول جاهزة . عندما عرضت اللجنة على الاجتماع الموسع الذي ضم لجنة التوفيق ورؤساء المجموعات وهيئة رئاسة مؤتمر الحوار برئاسة الرئيس هادي ، الذي كان قد أسهم كثيراً في إيجاد مساحة أوسع في التحرك السياسي لهذه القضية على الرغم من الضغوط الهائلة التي كانت تمارس عليه في موقعه كرئيس ، لم تدافع اللجنة عن رأيها عند الاعتراضات التي جاءت من رئاسة الاجتماع . بدا الأمر مخيباً على نحو لم يعد معه صعباً إدراك أن الدولة العميقة استطاعت أن تلتف على عملية التغيير، وأن التغيير المسموح به هو أن يعاد ترتيب الوضع بنفس البيادق . كنت قد شرحت هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "عبور المضيق" .

بعدها، طلبت الكلمة وقلت يبدو أن حرب ٩٤ ستظل تحاصر العقل السياسي في نتائجها وشبكة المصالح التي أسفرت عنها، مع كل ما عكسته تلك النتائج من خيبات وتعطيل للحياة في هذا البلد. انسحبت بعدها من الاجتماع، وطلبت من الحزب أن يستمر في مؤتمر الحوار. كنت قد تعرضت لحملات سياسية وإعلامية واسعة، وتكفير ومحاولتي اغتيال ورسائل تهديد ، وتحريض بالقتل ، كان أكثرها ألماً تلك التي نسبت إلى أحد أعضاء قيادة منظمة الحزب في محافظة قريبة من صنعاء ، والذي عُرف فيما بعد بأنه كان يعمل لصالح جهة كلفته بالمهمة ليبدو الأمر وكأنه صراع داخل الحزب ، وأنه غيرة على الوحدة !!

تسارعت الأحداث بعد ذلك على النحو الذي غيرّ معطيات المعادلة على صعيد البلاد كلها بمجاهيل كثيرة أصبح من الضروري معها إعادة رسم خطوط العمل السياسي في مواجهة التحدي الرئيسي المتمثل في الانقلاب العنصري الحوثي المدعوم إيرانياً ، والذي كرس وضع اليمن على خارطة الاستقطاب الإقليمي من قبل المشروع الإيراني التوسعي وأيديولوجيته العنصرية .

إن ما يمكن ملاحظته في هذه الفترة هو أن القضية الجنوبية عادت إلى الاحتشاد كرافعة وطنية لمواجهة هذا المشروع، وقدمت التضحيات الكبيرة لهزيمته على أرض الجنوب ، وبذلك فقد قدمت دليلاً آخر على دورها ومكانتها في استقرار اليمن .

يتبع...

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد