تشكلت للتو ثلاثية دولية جديدة حول اليمن، تتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، صحيح أن الأمر يدور حول بيان ثلاثي وقعه سفراء الدول الثلاث لدى اليمن، لكن هذا التحرك الثلاثي يشير إلى أن تغييرات كبيرة طرأت على خط التدخل الدولي والإقليمي في حرب اليمن، وفي مجمله يشير إلى استمرار العبث الدبلوماسي بملف اليمن ويبقي المجتمع الدولي في حالة فرجة مريحة وغير مكلفة للمشهد اليمني المكتظ بالأزمات وبالتداعيات المؤلمة لهذه الأزمات على اليمنيين.
بيان السفراء الثلاثة: الأمريكي والبريطاني والفرنسي، ثبت حقيقة أن مستقبل السلام مرهون بنجاح الجهود الثلاثية لكل من السعودية وسلطنة عمان والحوثيين، مع إشارته إلى أن هذه الجهود تجري بالتنسيق مع المبعوث الأممي إلى اليمن، والحكومة الشرعية، مقدماً المبعوث الدولي على الحكومة، التي عاد ووصفها دورها بالمحوري.
بينا السفراء الثلاثة ركز على نقطة جوهرية متعلقة بالملف الاقتصادي والإنساني، وأقر في هذا الخصوص أن الموارد الاقتصادية لليمن تكفي لمعالجة الأثر الاقتصادي والإنساني للحرب، والأمر يتوقف الاستفادة من هذه الموارد، وهنا وقف البيان على الدور السيئ للحوثيين الذين يهاجمون البنى الاقتصادية لليمن ومنها بالطبع المنشآت النفطية، حيث دعاهم إلى التوقف عن مواصلة الهجمات على هذه البنى والمنشآت النفطية.
ومرة أخرى يؤكد السفراء دهم لمجلس القيادة الرئاسي والبنك المركزي، وفي هذا الدعم ما فيه من إعادة توظيف مرحلية ماكرة للشرعية ومؤسساتها، وتكريس دورها كمشغل للمؤسسات ومدير تنفيذي محايد للمرحلة الراهنة من الحرب التي تتعاظم فيها أدوار الأطراف السيئة والمستحدثة، ويجري في ظلالها الاعتراف بالمشاريع السياسية المتعارضة مع ثوابت الدولة اليمنية والمتصادمة مع تطلعات الشعب اليمن لسلام واستقرار مستدامين في ظل الدولة التي تتمدد ولايتها على كامل الجغرافيا اليمنية.
البيان ركز على الملف الإنساني، وطالب في هذا الخصوص بضمان حرية الحركة والتنقل، واحترام حقوق النساء، وهي تجاوزات ترتكبها في الغالب جماعة الحوثي الانقلابية، التي يطالبها بضمان حرية النساء وإعفائهن من شرط المحرم الذي تفرضه الجماعة في مناطق سيطرتها، وهو توجه لا يوحي بموقف عدائي من هذه الجماعة بقدر ما يقر لها بنفوذها، ويسهم في إعادة تقويم سلوكها لا أكثر.
السفراء الثلاثة بعد ان استهلوا بيانهم بالتأكيد على أهمية المحادثات التي تديرها مسقط بين السعودية والحوثيين، عادوا وأكدوا في ختامه على دعم للجهود المبذولة من أجل عقد محادثات يمنية يمنية، تحت إشراف الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.
ليس هناك موقف دولي متماسك حيال الحرب في اليمن، ولا نلمس اثراً للتدخل الدولي على حل قريب للأزمة والحرب في اليمن، كما أن المقاربات الدولية لهذه الحرب، لا تسلك مساراً واضحاً يوصل اليمنيين نحو السلام، ويمثل نتيجة منطقية للالتزام الكامل بالمرجعيات التي تتصدرها قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.
إن السلام الذي يشدد عليه اللاعبون الدوليون يكاد يتحول إلى حرب لا نهاية لها في بلدنا اليمن، لأنه يقوم على فكرة تحييد الدولة اليمنية وإنهاكها وتجريدها من القوة الكافية وخصوصاً المتصلة بالشعب.
وهذا وحده يكفي لأن يصبح السلام مجرد ذريعة لتمكين القوى المزروعة في جسد الوطن اليمني، ورعاية وقحة للمشاريع السياسية التي تهدد كيان الدولة اليمنية وتعد اليمنيين بالمزيد من الأزمات والصراعات.