يدخل شعبنا اليمني رمضانه الثامن، وهو يفتقد الطقوس الجميلة لهذا الشهر الفضيل، مع استمرار المعاناة الناجمة عن الحرب، والتي انتزعت عنوة وبشكل تدريجي شغفه لمسائل كثيرة.
وبالعودة لذكريات ما قبل هذه الحرب المشؤومة تتزاحم تلك الصور الجميلة لرمضان في بلادنا، والذي كان شعبنا يستعد له منذ أشهر، ويتشوق لقدومه، وتتجلى مظاهر احتفائه به على أكثر من صعيد.
المبادرات الخيرية، والإفطار الجماعي في باحات المساجد، والساحات العامة، وأمسيات الذكر والابتهالات المفعمة بالروحانية، والزيارات الاجتماعية التي تنشط مساء وتحيل ليل المدن والقرى إلى سماء صغيرة عامرة بالأضواء المتحركة.. المداخن التي تتصاعد عند العصر وتحمل للصائمين مع دخانها رائحة «اللحوح» الشهية، والكثير الكثير من الطقوس التي تجعل الشهر الكريم يقف متفرداً بشكل كامل عن بقية أشهر السنة.
هذه الطقوس، والشعائر الاجتماعية الحميمية التي تتلظى هذه الأيام في الذاكرة وتثير في الفؤاد من الحنين ما لا سقف له ولا حد صودرت من اليمنيين ضمن ما صادرته الحرب المأساوية، ونالها من الدمار والشظايا والتشوهات بقدر ما نال الإنسان والعمران، فهي بالأساس ثمرتهما، ومصيرها مرتبط بمصيرهما.
كم هي الأسر التي فقدت أحد أفرادها في الحرب وفقدت معه مذاق الطقوس الرمضانية التي لا روح فيها بشمل غير مكتمل؟ كم هي الأسر التي فقدت منزلها، ومعه ذكريات عشرات المواسم الرمضانية السابقة؟ كم عدد الناس الذين صودر منهم حتى صلاتهم الجماعية في ليل رمضان في ظل ممارسات طائفية تصر على التحكم بمصائر ملايين الناس وحركاتهم وسكناتهم، وطريقة تعبدهم؟.
هذا الازدحام المأساوي لمشاهد ما بعد الحرب وما خلفته من خراب وتشوهات، يثير الأسى في نفوسنا، وكان يفترض أن يمنح أولئك الذين تسببوا بهذه الحرب مساحة كافية لإدراك حجم الجريمة والكارثة التي ارتكبوها بحق شعبنا على مدار هذه الأعوام.
إن أبناء شعبنا اليمني الصابر يستحقون أن تستعيد الفرحة طريقها إلى نفوسهم، وأن يبادر الجميع، لا سيما طرف الانقلاب بالتخلي عن عناده، وتقديم التنازلات لأجله، وذلك لن يكون بكل تأكيد سوى بالتسليم بحقيقة أن السلام الحقيقي، والقابل للاستدامة هو ذلك السلام الذي يضمن لشعبنا ممارسة حقوقه كاملة، والسماح له بتقرير مستقبله وفق قواعد الديمقراطية، ومبادئها العادلة.
*الشرق