الرصاص الذي اخترق جسد الشيخ عبد الله الباني لم يقتله وحده فحسب!، بل قتل العيد وقدسيته والسكينة العامة وأزهق روح الباني والروحانية الجمعية وطمأنينة الشعب اليمني، وسفك دما غزيرا من "هيبة الشرعية" التي تلطخت بدماء الشهيد.
لقد تزامن صوت الرصاص النذل الذي اغتال الباني، مع نعيق غربان ميليشيا الاحتلال الإيراني وتشفيها بقتل الإمام الذي دعا "لوحدة الصفوف ولم الشمل وجمع الكلمة في مواجهة الحوثي" وكان قتله حدثا دفع محمد البخيتي للشماتة في مصير بطل كان رأس حربة في كسر العدوان الحوثي على بيحان، بل وتعيير الشرعية!.
فلماذا تصمت أجهزة الحكومة على قتل "الباني"؟! وأين القضاء والقضاة والشرطة ومؤسسات إنفاذ القانون من جريمة اغتيال الباني وقبله العشرات من بناة المجتمع وأركان بنيانه؟!
من بين الإنجازات التي عددها رئيس مجلس القيادة الرئاسي بمناسبة مرور عام على تشكيله: " هيكلة القضاة وتنظيم الأجهزة القضائية"، وفي أدراج النيابات والأجهزة القضائية وجهات إنفاذ القانون عشرات الملفات لجرائم اغتيال قذرة ضمن "حرب ممنهجة" استهدفت ولا تزال، البناة والدعاة ورواد العمل الخيري ورموز المجتمع وقادته، ولم يتم البت فيها؟!
وهو سؤال عريض يطرح نفسه أمام الرئيس ومجلسه وحكومته ويسائل على وجه الخصوص إنجاز "تنظيم القضاء" عن خطيئة المماطلة في ملاحقة المجرمين ممن نفذوا جرائم اغتيالات مروعة وبالغوا في تحدي المجتمع وبنيان الدولة ومؤسساتها بتصوير جرائمهم البشعة وبثها، وبتعمد سفك دم رجل له حضور عريض في المجتمع انتهى من إمامة الناس في يوم عيد الله الذي يحرم فيه البغضاء والشحناء وتصعير الخد عن الآخرين إلى قتل الشيخ الذي حضّ على وحدة الصف وجمع الكلمة!.
نحن أمام حرب "ممنهجة" لا يزال البعض يتعامل معها بتغافل واختباء خلف أعذار واهية، على الرغم أنها تعتبر الوجه الأخطر للحرب، والجبهة الأعمق والمهمة القذرة التي تهدد وجود الدولة وكيانها ومصيرها! فلماذا يتغافل المتغافلون؟!
دم الشيخ الباني نزف من وريد المجتمع، والمجتمع هو الأرضية الصلبة للدولة والشعب صاحب الحق والسلطة والسياسة مكلفون بحراسة الشعب، والشعب بنيان الله وبناء الدولة فلماذا تصمت الأحزاب وصمتت من قبل، ولم تنبس حتى ببيان إدانة لجريمة خطيرة تهدد السكينة والاستقرار وتعبث بالجذور العميقة للكيان الوجودي للبلد؟!
وأين حالة الاستنفار من أجهزة الأمن ومؤسسات إنفاذ القانون من جريمة إغتيال "الباني" وعشرات البناة قبله؟!
***
في منتصف رمضان المبارك أقدمت ميليشيا الاحتلال الإيراني على اختطاف الشيخ علي راشد الوصابي، وأثناء التحقيق معه حذروه من الاستمرار في إقامة صلاة القيام التي يحرص عليها الآلاف من المصلين في المدينة، وبحسب المعلومات الوثيقة الاطلاع، فقد حاولوا إجبار الشيخ على التوقيع على ما وصفوه بـ"تحمل المسؤولية إن حدث تفجير في المسجد"!
وهو ما رفضه الوصابي وأفرجوا عنه شريطة ألا يؤم الناس، وهو ما التزم به إذ مكث في بيته قرابة أسبوع، وبعد تزايد الضغط الشعبي والإعلامي من المصلين اضطر الحوثة للانصياع لقوة "البناء المجتمعي المتماسك" لكنهم بخبث وضمن الحرب المفتوحة في تفكيك البناء اشترطوا عليه الدعاء لعبد الملك والبخيتي "والي ذمار" وهو ما تعمدوا اجتزاءه ونشره لهدف وحيد ومشترك: تدمير البناء وتفكيكه!.
هل أرادوا إسقاط "الرموز" لذاتها، وهل حاولوا كسر الإمام وحده؟! أم أن هدفهم البعيد من وراء عملهم الخسيس كان توجيه ضربة "للبنيان الصلب" الذي يرون أنفسهم باحتقار بعد ثماني سنوات من الحرب المفتوحة ضده، ويكتشفون خيبتهم ثلاثين مرة مع كل صلاة يؤديها عشرات الآلاف وهم صفوف كـ"البنيان المرصوص"!
بالتأكيد وبدون أدنى شك، فإنهم يستهدفون البنيان عن طريق تحطيم "الباني" ومساحات وأدوات ومحاضن "البناء الصلب" للأمن القومي اليمني، وللدولة.
من قتلوا "الباني" صبيحة عيد الله وفي أرض الله وبين عباد الله، وبعد إتمامه لصلاة الله التي دعا فيها بما أراد الله لنا من ترميم البناء ورص الصفوف وتوحيد الكلمة وتأليف الأرواح، من ارتكبوا هذه الجريمة البشعة، إنما يقومون بالدور القذر والوجه الآخر للحرب الشعواء التي تشنها عصابات الاحتلال الإيراني ضد "بنيان الدولة الوطنية" ويهدفون إلى تحطيم جذور البناء واجتثاث قواعده.
يأتي الحقد الدفين نتيجة حالة انهزام ويأس، وعمل جبان ورخيص، وعقدة الصَغَار والإنسحاق والعجز حسب توصيف الأستاذ القدير جمال أنعم، في مقالته "عيدنا أنتم" وهو يعيد تعريف القضية في حقيقتها وجوهرها.
معاول الحقد والانتقام والثأر من "البنيان" المتماسك، تأتي كردة فعل منفلتة مجنونة فوضوية، (والاقتباس من وحي مقالة الأستاذ جمال)، لأنهم "بنيانهم الذي بنوا" لا "يزال ريبة في قلوبهم" فهم يخوضون حربهم القذرة ضد بنيان الدولة ليهدموه!.
طوال السنوات الثمان يحرص عملاء الاحتلال الايراني على تطييف المجتمع وتمزيقه بعد تجويعه ومحاصرته، يصرون كل عام على ظهور عبد الملك في محاضرات يومية تبث وقت صلاة التراويح على وجه الخصوص، يستهدفون المساجد ويضيقون على المصلين في رمضان بالذات ويحيلون بيوت الله وقدسية رمضان وروحانية الصيام وغار حراء المصلين إلى قاعات متسخة بأعواد القات وصالات عبثية للدسائس واللهو والرقص والزوامل، لماذا لا يلقي زعيمهم محاضراته في شهر غير رمضان؟! ولماذا -لو لم تكن إحدى أسلحة الحرب الممنهجة ضد روحانية المصلين وبنيان الدولة الصلب - لماذا لا يبثونها في وقت النهار أو في ساعة من الليل غير وقت صلاة التراويح؟!
في عدن قتل عشرات الدعاة وأئمة المساجد خلال السنوات الماضية، وأغلقت أبواب الجمعيات الخيرية والمؤسسات التربوية ومحاضن تعليم القرآن الكريم، وفي صنعاء كانت من أولى الأولويات لعصابة الاحتلال الإيراني تفخيخ دور القرآن وتفجير المساجد وقتل الأئمة والعلماء وأساتذة الجامعات ورموز السياسة وقادة المجتمع، هذه هي الحقيقة، حرب عميقة وطويلة وبأسلحة مختلفة وأساليب متنوعة وأدوار متبادلة كلها من أجل غاية واحدة: نسف قواعد "بنيان المجتمع"!.
ولأن الحرب لا تزال في أوجها، فهذا يعني أن "البنيان الصلب" أقوى من كل مكائدهم وجذوره أعمق من كل زلازلهم على عظم الخسارات التي أحدثوها منذ أول لحظة لتغييب القائد المناضل محمد قحطان مرورا بالفوضى العارمة وصولا إلى الرصاص الغادر الذي أسكت صوت "الباني"، فالباني والبناة يدركون يقينا أن تضحياتهم ولو كانت بدمائهم وأرواحهم وحرياتهم، لا تزيد "البنيان" إلا قوة وصلابة وتماسك.
***
التراخي الذي يظهر من أجهزة الحكومة ومؤسساتها المسؤولة بحراسة "بنيان الدولة" تجاه هذه الجرائم القذرة التي تستمر في سفك دماء الأبرياء، وقتل روح "الباني" ومن قبله عشرات الخطباء وقادة المجتمع، وتسعى لزعزعة الاستقرار وقتل الطمأنينة وترويع السكينة العامة، دون ملاحقة للجناة ومحاسبة للمجرمين خطيئة كبرى وخيانة عظمى وتهديد وجودي للدولة واستقرارها وأمن الوطن والإقليم.
آن للحكومة أن تقف بشجاعة ومسؤولية، وأن تقوم بواجباتها التي هي بنود عقدها الاجتماعي مع الشعب، فهي طرف اعتباره ومشروعيته قائمه ما قامت بدورها في حماية "بنيان" الشعب وحراسة أسسه وصون حقوقه من دم ومال وعرض وحرية وحياة، باعتباره مضمون التعاقد وطرف العقد وصاحب الحق.
لا عذر للمؤسسات الشرعية إن تقاعست عن المواجهة القصوى والمصيرية لهذا الخطر، عبر رفع درجة النباهة وروح المسؤولية ويقظة كافة الأجهزة والتعامل الحاسم والواعي والأمين على أسس المجتمع وقواعد كيان الدولة، وملاحقة المجرمين على وجه السرعة من أجل إعادة الثقة للمجتمع، وإعادة الاعتبار للشعب وشرعيته.
"الحرب الممنهجة" التي قتلت "الباني" حوثية إيرانية بامتياز، وما تشفي "البخيتي" وعناصر إعلامهم ، إلا تأكيد لحقيقة مؤكدة، وهو ما يجعل الصمت على أدواتها والتساهل معها وجها آخر لها، ولا خيار أمام أجهزة القضاء ومؤسسات إنفاذ القانون سوى أخذ حق "الباني" لتعزيز الثقة في "البناء"!.