نهاية حزينة ومؤلمة لشهر رمضان الكريم والمبارك، ليس لأنه غادرنا وقلوبنا متعلقة به وأرواحنا مستأنسة بوجوده ضيفاً عزيزاً مبهجاً، بل لأن حادثة استثنائية وقعت في العاصمة صنعاء، اكتست صنعاء إثرها بالسواد، ودخل الموت لأكثر من ثمانين منزلاً وعائلة يمنية كانت تنتظر أن يعود عائلها وفي يديه الحد الأدنى مما يسد الرمق ويفرح الأطفال في عيد الفطر، فيما تواجه أكثر من مائتي عائلة خطر فقدان عائلها من المصابين في حادثة التدافع المميتة التي وقعت في باب اليمن وبالتحديد في مدرسة معين الواقعة في الطرف الجنوب لمدينة صنعاء القديمة.
المئات من الناس كانوا قد تجمعوا في محيط المدرسة ليلة التاسع والعشرين من رمضان وهي ليلة قدرية، وكانوا على موعد مع زكاة الفطر التي توزعها مجموعة الكبوس التجارية الصناعية، كما جرت العادة، لكن الفرق أن تدافع الناس للحصول على نصيبهم من هذه الزكاة كان كبيراً، لكأنهم ألقوا كل آمالهم على هذه الزكاة، بعد أن توقفت التجار عن القيام بالشيء نفسه، وهي عادة سنوية يقوم بها تجار العاصمة ومسؤوليها ووجهائها، في نهاية شهر رمضان من كل عام.
في الماضي كان معظم الذين يذهبون للحصول على أموال زكاة الفطر من أغنياء المدينة، هم من المهمشين، الذي كان وضعهم الاجتماعي يسمح بالتجمهر أمام منازل الميسورين طلباً لهذه الزكاة دون حرج، والتنافس من أجل الحصول على النصيب الأوفر من هذه الزكوات في تظاهرة يتخللها الشغب والمرح والفرجة.
أما اليوم فإن الذين تدافعوا للحصول على زكاة بيت الكبوس، هم أبناء الطبقة الوسطى من موظفي الدولة وأولئك الذين فقدوا فرص العمل وانهارت مصالحهم. وقد وقعت عيني على بيانات نعي لعدد من الذين قضوا نحبهم في ليلة التاسعة والعشرين من رمضان الحزينة، وإذ بهم من أهل المكانة والمهن المحترمة، من الذين جار عليهم الزمن، وضاقت بهم السبل، وتجبر حكام الأمر الواقع من جماعة الحوثي، عليهم وتحكموا برقابهم وأرزاقهم.
على مدى السنوات الثمان الماضية، مارست هذه الجماعة سياسة تجويع ممنهجة بحق الناس، وحاصرت التجار ورجال الأعمال، ومنعتهم من توزيع الزكاة والصدقات بشكل مباشر للناس، وتحولت مبادرات الخير في عهد هذه الجماعة إلى صنف من الممارسات المحظورة، التي يقع مرتكبوها تحت طائلة المحاسبة والعقاب والإيذاء.
اليوم يجري توزيع الصدقات في صنعاء ومناطق سيطرة جماعة الحوثي عن طريق التهريب وتحت جنح الظلام، ويبدو الأمر بالنسبة للبعض مغامرة محفوفة بالمجازفة والمخاطر، والسبب أن هذه الجماعة تريد أن تفرض هيمنتها المطلقة على المال، فلا يصبح مصدر نفوذ لمن سواها في البلد، حتى الأغنياء من كبار التجار والصناعيين والميسورين من الوجهاء.
في حروب صعدة الست وما قبلها، مارست هذه الجماعة من مخابئها في صعدة، نفوذها عنيفاً على أبناء المحافظة، كانت عناصرها المسلحة، تفجر المنازل وتدمر المزارع، وتمنع أي نشاط يمكن أن يسمح باستقلال موقف أي من أبناء المحافظة، لا يتفق مع التطلعات الطائفية لهذه الجماعة.
أحد قادة هذه الجماعة، محمد علي الحوثي، استدعى "العدوان" الذي أمضى أياماً برفقة سفيره في القصر الجمهوري، وحمله سبب هذه الكارثة، وهي مناورة مفضوحة ولم يلتفت إليها أحد من اليمنيين الذين يشاهدون جماعته وهي تمارس سياسة إفقار متعمدة بحق اليمنيين، وتضيق الخناق على الأنشطة التجارية والصناعية وتمارس الابتزاز بحقهم، وتضاعف الضرائب والجبايات والمكوس، وتعطل النشاط الاقتصادي، بسبب قانون الخمس الذي يكرس المزايا الطبقية، ويعيد تفسير الدين باعتباره مجالاً استثمارياً قليل الكلفة لفئة اجتماعية اعتادت أن تختطف اللقمة من أفواه الآخرين.
عيد فطر مبارك كل عام وأنتم بألف خير أيها اليمنيون.
