في خريف 2014 كانت محافظة تعز على موعد مع عدوان عسكري متعدد الأطراف، لإسقاط قلعة الربيع في اليمن، وإخماد جذوة الثورة الشبابية الشعبية التي كانت تعز حاضنتها الكبرى. أعد علي عبد الله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي مؤامرة إسقاط تعز، ووظف 12 لواء عسكريا معززين بكل أنواع الأسلحة من البندقية القناصة إلى الطائرة، وانضمت إلى هذه القوة الضاربة كتائب جهادية حوثية مثلت محصلة تدريب خاص وتأهيل عقائدي وقتالي استمر لسنوات في معسكرات صعدة المغلقة.
في الجهة المقابلة كان هناك شعب أعزل إلا من إرادة قوية للدفاع عن الخيارات الوطنية وعن الكرامة، لجأ هذا الشعب إلى ما تيسر من الأسلحة الخفيفة وقرر المواجهة، بعد طلبات استسلام مذلة أبلغها تحالف الانقلاب للشيخ حمود المخلافي، الذي سيصبح لاحقا قائدا للمقاومة الشعبية في تعز. كان الغرور هو سيد الموقف، وكان يستند إلى قوتين عسكريتين جهوية يمثلها صالح وطائفية يمثلها الحوثي، وتجمع بينهما مصلحة مشتركة إلى حد ما، وهو الدفاع عن المكاسب الجهوية التي كرست خلال العقود الماضية من العهد الجمهوري، للأسف، بفعل الدعم السخي للجنة الخاصة السعودية.
المقاومة الشعب في تعز انطلقت من مساحات محدودة جدا في شمال المدينة واتسع تأثيرها ونفوذها وتنوعت أدواتها، لكنها استندت في المقام الأول إلى الإيمان بالله وبحق الإنسان في الدفاع عن كرامته وحريته، والثقة بأن الدفاع عن الجمهورية هو قدر حمل عبئه الأكبر أبناء تعز، إلى جانب إخوانهم من كل محافظات الجمهورية اليمنية، منذ ستينيات القرن الماضي وهزموا بإرادتهم الحرة الأبية، الردة الإمامية البغيضة وأسقطوا حصار صنعاء.
لا شيء ستغيره المسيرة الراجلة "الجهادية" المزعومة، التي انطلقت من ذمار صوب منطقة الحوبان في محافظة تعز وضمت آلاف المقاتلين من جماعة الحوثي، من الناحية الجيوسياسية، سوى أنها ستضيف عبئا اقتصاديا على الموارد التي تتحكم بها الميليشيا وربما يتكبد من عنائها السكان المحليين.
المتحدث باسم محور تعز العسكري، العقيد عبد الباسط البحر كان محقا في توصيفه لهذه القوة الراجلة التي قال إنها خرجت من "المعسكرات الثقافية". بالفعل إنها تضم طلاب مدارس تم استقطابهم بطرق مختلفة للدخول في هذه المعسكرات الطائفية، وإلا فإن قدرة الحشد لدى الجماعة تراجعت بشكل كبير جدا خلال السنوات الماضية. ويدرك المشاركون في هذه المسيرة أنهم في مهمة استعراضية لا أكثر، لأنهم سبق أن شاهدوا وكان معظمهم لا يزال مراهقا بأم أعينهم أقاربهم وقد عادوا جثثا هامدة، من محافظة تعز، رغم فارق القوة والتسليح والخبرة والإمكانات.
الحوثيون يعيدون بهذه المغامرة إنتاج مأساة جديدة. فبعد أن فشلوا في حسم المعركة ضد أبناء تعز بواسطة القناصة والصواريخ الموجهة والمسيرات، لن ينجحوا حتما بواسطة المسيرات الراجلة.
هذا لا يعني التقليل من خطر التحرك العسكري الاستعراضي لهذه الجماعة، فالمدافعون عن تعز، منهمكون في الاستعداد الاستثنائي لهذا التحرك ولاحتمالاته، آخذين بعين الاعتبار، أن المواجهة ستكون مع قوة طائفية محضة، أنتجت من المحاضن الشيعية، التي تتجاوز في تعصبها حتى المساحة المشتركة بين المكونين المذهبيين الرئيسيين في اليمن: الشافعي والزيدي.
هناك غرفة عمليات تعمل -ليل نهار- وينهمك القادة الميدانيون للجيش الوطني والمقاومة لضمان الجهوزية العسكرية، والتواصل لا ينقطع بين القادة العسكريين وقائد المقاومة الشعبية، تلهمهم جميعا تلك اللحظة الاستثنائية من تاريخ المواجهة مع الانقلاب عندما خرج الشيخ حمود المخلافي في ربيع 2015، على رأس العشرات من المقاتلين، لمواجهة قوة ضاربة كانت تمثل ترسانة الدولة اليمنية والمنطقة العسكرية الرابعة، لكنهم تسلحوا بالحق وبالانتماء الخالص لليمن وبالثقة التي لا تتزعزع بالعدالة الإلهية. كبرت كرة الثلج وتشكلت القوة الصلبة، وتعززت الخبرة، وبدا الاستعداد كبيرا للمعركة المقبلة مع هذه الجماعة الانقلابية، وذخيرتهم الأساسية هي الإمكانات الذاتية في ظل الخذلان.
من المؤكد أن الحوثيين يدفعون باتجاه إذكاء صراع سيأخذ أبعاده الطائفية حتما، وهذا بالتأكيد لن يمنحهم فرصة إضافية للتحكم بالكتلة البشرية التي يسيطرون عليها، بل سيفقدون القدرة في السيطرة عليها. فلإن كانوا قد فشلوا في كسب ولاء اليمنيين رغم ادعائهم خوض معركة مصيرية مع "أعداء الوطن" الخارجيين، فإن فرصهم ستكون شبه معدومة للحشد إلى مذبح المعارك التي يحركها الوقود الطائفي وتهيمن عليها عقيدتهم المنبوذة.