في الذكرى الثانية لرحيل والدي العميد سعد عبد الله مراد سأتحدث عن مآثره وحياته وباختصار شديد فقد كان والدي- رحمه الله- في ريعان شبابه إنسانا بسيطا، وعاديا جدا ولكن حيويته ووطنيته هي التي ساعدته في شق طريقه إلى القمة، لذا أصبح رجلا مؤثرا ويمتلك الرؤية السياسية والعسكرية والقدرة الاجتماعية في أن يكون عنصرا جذابا، وما يميز شخصيته هي كرامته وولائه لمبادئه وقيمه، فهو وطني يمني حقيقي، من أولئك الذين ثابروا وعملوا بجد لتنفيذ كل المهام الموكلة إليهم، بذل قدرا كبيرا من الجهد فكان شخصية استثنائية في الفعل والتأثير الإيجابي وهذا ما ساعده في ترك إرث يحتم علينا الإقرار بعظمة إرثه في كل الاتجاهات وتحديدا في قدرته على تفعيل العامل العسكري والاجتماعي برؤى وآليات ومعطيات نفتقر اليوم إليها.
عمل والدي العميد سعد مراد في السلك العسكري لأكثر من أربعة عقود وفرض حضوره ضمن النواة الصلبة والعميقة في القيادة اليمنية، وأصبح رقما صعبا ليس بموقعه ولكن بقدراته ومثابرته وفهمه وإدراكه لاستحقاقات الديمومة في العمل والمواجهة واستعداده لتحمل الارتدادات والتداعيات على مبادراته الشجاعة والواعية، فرض ذاته في مجمل الأحداث والتفاعلات ذات الصلة بالقضايا الوطنية، وأصبح مرجع موثوقا وقادرا على إعادة إنتاج الأحداث وتكييفها مع الظروف.
كان صارما وعنيدا جدا، ومحترفا للغاية وخبيرا في تحديد الأسئلة التي يرغب هو نفسه في الرد عليها، لديه آراء وملاحظات قوية، مليئا بالأفكار والطاقة، ملتزما بمفهوم أن يعيش الناس بسلام وكرامة، ذكيا وذا معرفة ومتمكنا ومدافعا باستمرار عن المظلومين وهو ما جعله بطرق متعددة أكثر قوة من الآخرين.
كان شجاعا في التعبير عن ما في قلبه، يؤمن بما يقوم به، وفيا بالتزاماته، مؤمن بالبعد الإنساني ويرفض تبرير العنف، ويؤمن بعمق بوجود طريق آخر للحلول، شجاعا في الصراع من أجل حياته بمواجهة مشاكله التي مر بها رغم كل الآلام والصعوبات.
كان يتميز دوما بانتمائه اليمني العريق ويعتز ويفتخر بهذا الانتماء، ويعتبره الأساس الذي يحتكم إليه في كل علاقاته مع الأشخاص أو القوى السياسية ولذلك كان منفتحا مع الجميع ويؤمن بالحوار من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة، وقد يصل أحيانا إلى قناعات ربما تكون مختلفة عن قناعاته الأصلية ولكنه لا يفرط بما يعتبره ثوابت في منطلقاته وفي عقيدته، مواقفه كانت دائما مبدئية جدية، ولكنه يعطي الانطباع بأنه على استعداد للوصول إلى حل وسط إذا ما كان الطرف الآخر مستعدا للوصول إلى حلول منصفه، ويمكن أن تجري معه نقاشا صريحا ومفتوحا وحتى أن تنتقده لكنه يغضب من اللامبالاة.
كان الجميع يكن لوالدي التقدير الكبير فهو رجل النزاهة والرؤية، والولاء الوطني الكبير، ولم يختلف معه أحد يوما ما على وطنيته وعلى موقعه في الوعي الوطني كذاكرة وطنية، ولا في قدرته على الفعل المبادر المؤثر في كل المجالات، يعمل ليلا ونهارا دون كلل أو ملل من أجل وطنه وشعبه، يعمل بشكل دائم وبطريقته الخاصة، سواء أعجبتنا أم لا، ولم يألو جهدا في تقديم كل ما هو ممكن من أجل القضايا الوطنية.
لقد سخر والدي حياته كلها في النضال والعمل من أجل الحرية والكرامة ورحل مبكرا عنا ليترك فراغا من الصعب ملؤه، أشعر بالفراغ الشخصي الذي بقي جرحا نازفا في قلبي ولكني دوما أتذكره وأتذكر المآثر الكبيرة التي استطاع أن يحققها خلال مسيرته النضالية على الرغم من صعوبة الظروف وعظمة التحديات.
كان لوالدي حيزا كبيرا في حياتي العسكرية فهو وطنيا نظيف اليدين مخلصا لوطنه، أحببت منه الفكر العسكري واكتسبت منه طريقة التفكير العملية والمهنية، أشعر بفقدان كبير شخصي وعسكري وسياسي ووطني بغياب هذه القامة الوطنية الكبيرة واشتاق له كثيرا.
رحيله ترك فراغا كبيرا يحتم علينا ذكره كأحد عمالقة الفعل الوطني على مدار عقود منذ أن توشح بزته العسكرية شكلا وانتماءً في مواجهة القوى الظلامية في حصار السبعين يوما، وأدرك كم هو الفراغ الموجود الذي تركه، وبقدر ما أترحم على روحه الطاهرة وبقدر ما أنا محزون على فراق إب عزيز وقائد ملهم.
كم أنا اليوم فخورٌ بأنه حتى من اختلف معه يدرك اليوم كم كان رحيله خسارة مؤلمة لنا وعلينا ولكننا مؤمنون بالله وبقدره وبأن الموت حق، لذا وجب الصبر والفخر بهذا الإرث العظيم المتميز الذي ستخلده الأجيال القادمة.
الرحمة والخلود لروح والدي ولأرواح جميع شهدائنا الأبرار.
ولا نامت أعين الجبناء.